كتب/خطاب معوض خطاب
“يا لك من شنقيط”، جملة قالها العسكري عبد البر الذي أدى دوره الفنان عبد المنعم إبراهيم للشاويش عطية في فيلم “إسماعيل ياسين في الأسطول” ساخرا من جعله وعدم فهمه لفصاحته، والمقصود هو: يا لك من فصيح! ويعد وصف شخص بعكس ما فيه سخرية منه، وذلك مثلما نقول للبخيل: يا لك من كريم! ومثلما نقول للظالم: يا لك من عادل!.
و”شنقيط” مدينة تقع في أقصى شمال موريتانيا وتبعد عن نواكشوط العاصمة بأكثر من 530 كم، وكان يطلق في الماضي على موريتانيا “بلاد شنقيط”، و”شنقيط” مدينة واحات وكانت محطة هامة من محطات تجارة الصحراء، وكان الحجاج قديما يتجمعون فيها ثم ينطلقون إلى الأراضي المقدسة معا في قافلة واحدة.
وتعد “شنقيط” واحدة من مراكز العلم والثقافة في إفريقيا، وتسمى بكعبة إفريقيا وبلد المليون شاعر، فالمشهور عن صبيتها ممن بلغوا 16 عاما أنهم يحفظون القرآن الكريم كاملا، كما أن أقلهم حظا يحفظون ألف بيت من الشعر، وإلى “شنقيط” يتنسب كبار العلماء الشناقطة الذين ملأ صيتهم العالم كله، وانتشروا في عدد من الدول العربية مثل مصر والسودان والعراق والأردن والسعودية.
ومن كبار العلماء الذين ينتسبون إلى “شنقيط” العلامة الشيخ محمد الخضر الشنقيطي الذي تولى منصب قاضي القضاة في الأردن، والعالم السعودي الكبير الشيخ محمد الأمين الشنقيطي صاحب تفسير “أضواء البيان”، والعلامة الشيخ محمد محمود ولد أحمد الشنقيطي الذي أقام بمصر وكان صديقا للشيخ محمد عبده، وقد ذكره د. طه حسين في كتابه “الأيام” وأثنى عليه قائلا: “كان أولئك الطلبة الكبار يتحدثون بأنهم لم يروا ضريبا للشيخ الشنقيطي في حفظ اللغة ورواية الحديث سندا ومتنا عن ظهر قلب”، كما قال عنه الأستاذ محمد رشيد رضا صاحب مجلة المنار المصرية: “إنه العلامة المحدث الذي انتهت إليه رئاسة علوم اللغة والحديث في الديار المصرية”.
وقيل إن “شنقيط” كلمة مشتقة من اللغة البربرية الصنهاجية ومعناها: “عيون الخيل” أي عيون الماء التي تشرب منها الخيول، وقيل بل هي كلمة عربية وأصلها “سن قيط” أي طرف جبل “قيط” المجاور لها، وقيل أيضا إن أصلها هو “الشقيط” وهو نوع من الأواني الخزفية الذي كان منتشرا هناك.