قصيدة إنسانية
بقلم عبدالكريم بعلبكي
المسرح مهما كانت اتجاهاته، ومهما كانت ركائزه الايديولوجية والجمالية يبقى صورة الحضور المباشر عند مشهور مصطفى ، نتنفس فيه التواصل لترسخ في المخيلات رسوما لا يحد من تراثها ومفهومها ومفعولها زمان ولا مكان .
لا يختلف اثنان على مهنية مشهور مصطفى المعهودة والتي أعلنت عن ذاتها في العديد من أعماله المتعاقبة ، وها هو من جديد يوقع بكل مهنية واحترافية مسرحية هي وهن التي انسكبت إبداعا على المشهدية كلها منذ بداية العرض وحتى نهايته فتغلغلت بين أنفاس الممثلة مروة قرعوني وحركتها وايقاعها ، فامتزجت في علاقتها مع الفضاء المسرحي ، والتي توحدت فيه ، حتى بدا أن الممثل هو الأساس ولا عرض بدونه ومما لا شك فيه أن القدرة عند الكاتب المخرج تكمن في خلق العلاقة بين قرعوني وأدواتها والحكاية والسينوغرافيا والجمهور .
والجميل أنها لم تستعرض بل كانت تلعب بمهارة ، تمسك بكل شخصية، تطلقها وتعيدها بتناغم احتل عمق المسرح في مشهدية بالغة الحساسية تفجرت ينابيع دهشة فانساب التعبير كجدول نقي صاف، ممسكة خيوط اللعبة لترينا وجوها من الألم ، خارج التقريرية والانشائية والحض على الفضيلة والأخلاق في سياقها الجاف واللفظ لنرتشف عسل الفرجة بعيدا عن الوعظ
نعم لم يركب النص عند مشهور مركب السهولة على الرغم من أن المادة النصية ، تشجعه على الاندفاع في هذا الاتجاه لكنك تقف أمام قصيدة انسانية لها جرس خاص ، هي دائرة الحلقة ، والهمسة التعبيرية تصل دون حواجز تملأ العين والقلب إلى أخر أعماق المسرح ، كان الأداء شديد الروعة ، يحس المُشاهد بأنه مرسوم بين نبض ونبض بحس تشكيلي عال، يزيده عمقا لدرجة الإحساس بأنه يمتد مسافات بعيده في العمق الإنساني ، دون أي خلل في جمالية التشكيل وفي أداء وظيفته ، خاصة في المشاهد التي تتحرك ، حيت تركض مروة وترقص مروة وتتلوى ألما مروة طبعا متنقلة بين حالة واخرى بشخصيات مختلفة داخل قفص الزمن مستحضرة الماضي لامرأة جمعت رحلة الذكريات ، بأداء رقيق صادق وقوي .