كتب/خطاب معوض خطاب
أحمد زكي متولي عبدالرحمن بدوي، ولد بالزقازيق محافظة الشرقية في يوم 18 نوفمبر سنة 1949، كان يتيما، فقد مات أبوه بعد ولادته، وتزوجت أمه فرباه جده، وحصل على الشهادة الإعدادية بمجموع كبير كان يؤهله لدخول الثانوي العام، ولكنه التحق بمدرسة صناعية، ليكون مع أصدقائه الذين لم يؤهلهم مجموعهم للالتحاق بالثانوي العام.
كممثل وفنان كان أحمد زكي صاحب موهبة استثنائية غير معتادة في فن التمثيل، فلم يكن يقلد أحدا رغم براعته في التقليد، بل كانت له شخصية مستقلة فرضت نفسها على سوق السينما المصرية، والتي كانت لها مواصفات خاصة لنجوم الشباك، كان يفتقدها أحمد زكي الأسمر ذو الشعر الأكرت، والذي غير مقاييس النجومية، بل وأصبح نجم الشباك الأول، وأفلامه تعد من أفضل الأفلام في تاريخ السينما المصرية.
وأحمد زكي كان بحق إمبراطور التقمص والإبداع، ففي فيلمه “عيون لا تنام” قام بحمل أنبوبة غاز مشتعلة، وفي “طائر على الطريق” ألقى بنفسه من سيارة مسرعة، وفي فيلم “العوامة 70” طلب أحمد زكي من المخرج أن يتم ضربه ضربا حقيقيا، فأكل علقة ساخنة، وفي “موعد على العشاء” تطلب الأمر أن يدخل ثلاجة حفظ جثث الموتى، وهو ما تم بالفعل، وتم إعادة تصوير هذا المشهد أكثر من مرة، وفي فيلم ناصر 56 دخل الوزير صفوت الشريف الاستوديو، وأخبروا أحمد زكي أن الوزير موجود، فصرخ فيهم: “أنا رئيس الجمهورية! ييجي هو يسلم عليا هنا”، وهو ما حدث بالفعل.
وأحمد زكي الإنسان كان محبوبا من كل من يعرفه، فقد كان بسيطا ولم يتكبر على أحد، أو يتنكر لأحد، وفي نفس الوقت كان معتدا بنفسه، فبعد طلاقه لزوجته الفنانة هالة فؤاد كان يقيم بصفة دائمة في فندق هيلتون رمسيس، وكان يركن سيارته أمام المدخل، ولكن أمن الفندق وبسبب الإجراءات الأمنية طلبوا منه أن يركنها بعيدا عن المدخل، فاستجاب لهم على الفور، ولكنه يوما رأى سيارة تقف أمام المدخل، فأوقف سيارته بجوارها، وجاءه أحد الضباط يطلب منه إبعاد سيارته، فرد عليه بقوله: “أنا ركنت بجوار هذه السيارة” وحينما قال له الضابط إن هذه سيارة سمو الأمير ترك بن عبدالرحمن، رد عليه قائلا: “دي سيارة سمو الأمير أحمد زكي بن عبدالرحمن، قل لوزير الداخلية لما يسألك الكلام ده، لأن الأمير ترك مش من البلد دي، ومش هيحب بلدي أكثر مني”.
ويروى عنه أنه كان يجلس على مائدة طعام واحدة مع سائقه ويشاركه الطعام، وكان يمنح عمال المطعم الذي كان يأكل فيه بقشيشا كبيرا يفوق الخيال، مؤكدا أن من حقهم أن يعودوا لأولادهم ومعهم كيلو من اللحم مثلما أكل هو ومن معه.
ويقول الدوبلير محمد النوبي الذي كان يؤدي بعض المشاهد الخطرة بدلا منه: “كان الفنان أحمد زكي يستدعيني ويطمئن علي، كما كان يتأكد أن الطعام الذي يقدم لي مثل ما يقدم له، بل وكان يعطيني مبالغ كبيرة من جيبه الخاص بخلاف الأجر الذي كنت أحصل عليه من المنتج”.
وحينما مرض مرضه الأخير اتصل به العديد من الملوك والأمراء والرؤساء العرب يعرضون عليه السفر من أجل علاجه على نفقتهم الخاصة، إلا أنه كان يعتذر لهم عن قبول طلبهم ويقول: “إن بلدي أولى بعلاجي”، وكان يفرح بهذه العروض لأنها دليل على حب الناس له، ولكن أكثر شيء أسعده وأبهجه ورفع معنوياته خلال فترة مرضه هو العرض الذي تلقاه من رجل فقير قابله عندما كان متوجها لمركز الأشعة بمستشفى دار الفؤاد، فقد توجه هذا الرجل الفقير إليه متجاوزا كل المحيطين به واحتضنه وقبله وقال له: “أنا رجل فقير من أسوان، وعلى أد حالي ، وبقالي هنا 3 أيام مستني أشوفك يا أستاذ، فلو ممكن تقبل مني كليتي أتبرع بها لك عشان ربنا يشفيك”، وتأثر أحمد زكي جدا بموقف هذا الرجل الذي لا يعرفه، لأن الله قد وضع محبته في قلوب الناس.
وكان أحمد زكي كريما بإسراف، لدرجة أنه حينما مات لم يترك سوى 130 جنيها فقط، فهو حينما قام ببطولة فيلم حليم واستلم أجره عنه أعطى مبلغا كبيرا من المال للفنان عبدالله محمود، والذي كان يعاني من نفس المرض الذي يعالج منه أحمد زكي، و وكان أحمد زكي دائم الإتصال به للاطمئنان عليه وحينما مات أحمد زكي أيقن عبدالله محمود بقرب رحيله، وبالفعل لحق به بعدها بشهور معدودة.
والمعروف أن أحمد زكي كان قد فقد بصره قبل موته بأيام، وذلك حسب تصريحات د.ياسر عبدالقادر أستاذ جراحة الأورام، والطبيب المعالج له، وفي نفس الوقت لم يخبر أحدا من المحيطين به بذلك، وكان يتعامل معهم على أنه مبصر ويرى، وكان يقول للمقربين منه ويعلمون بما أصابه: “دلوقت لو عملت مسلسل الأيام أكيد هاعمله أحسن من الأول، لأني مش هامثل دور الأعمى، لكن هاعيشه بجد”.
وكان أحمد زكي قد دفع من جيبه الخاص نفقات أداء العمرة لثلاثة من الموظفين في مستشفى دار الفؤاد، كما أنه قد اشترى مقبرة في مدينة 6 أكتوبر ليدفن فيها بعد موته، ولكن أول من دفن فيها كان صديقه المقرب الفنان ممدوح وافي، ثم توفي أحمد زكي في 27 مارس 2005 ودفن فيها هو الآخر.
زر الذهاب إلى الأعلى