بقلم الدكتور محمد حسن كامل
بوابة حديدية أنيقة , من خلفها حديقة ١إيطالية جميلة , تلك البوابة التي تفصل بين شارع النبي دانيال وبين عالم آخر من الثقافة والفكر والجمال .
فاصل حديدي ولكنه فاصل زمني وحضاري , حينما تعبر تلك البوابة تكون في عالم آخر , حيث تشم أنفك رائحة العطور الفرنسية , وحيث ترصد ببصرك لوحات فنية , وترى الابتسامة في الوجوه مجاناً.
استجمع صاحبنا كل قوته ودفع هذا الباب الحديدي , ليكشف ما وراءه من أناقة وعراقة .
وجد نفسه في فيلا عريقة أنيقة يعود تاريخها لبدايات القرن التاسع عشر , فيلا لم ير مثلها إلا في أفلام السينما الأبيض والأسود , نظر إلى حذاءه ليتأكد من لمعانه ولاسيما وهو يصعد درجات السلم من
الرخام الأبيض , في تلك اللحظات سافر بخياله نحو حلمه , وكأنه يصعد سلم جامعة السوربون أو يدخل قصر الإليزيه , ثواني معدودة كان الحلم يطل عليه كشعاع من نور ينبعث من المستقبل ليضئ الحاضر
كانت هذه الفيلا تُسمى ببيت فرنسا التي اشترتها فرنسا 1886.
وفي عام 1967 تحولت هذه الفيلا ‘إلى مركز ثقافي لنشر الثقافة الفرنسية بكل مقوماتها من لغة وفكر وفن وسنيما ومسرح ورقص فضلاً عن تعليم اللغة العربية للجالية الفرنكوفونية في مدينة الإسكندرية .
الطابق الأرضي لهذا المبنى يشمل بهو رائع فسيح قد يتسع نحو 300 شخص على الأقل , وهو ملتقى للمعارض الفنية التي تُقام في المركز من فنون تشكيلية ورقص وموسيقى ورسم وتصوير ونحت
وندوات أدبية وتاريخية …..هذا البهو الفخم بمثابة مركبة فضاء تنقلك في مجرات الفكر والثقافة والإبداع عبر تلك الفعاليات الثقافية المقامة في بلاطه الأنيق .
هذا بالإضافة للمكاتب الإدارية التي تشرف على إدارة المركز الثقافي الفرنسي .
أما تلك الحديقة الإيطالية الأنيقة تزداد حُسناً وجمالاً ولاسيما في فصل الصيف حيث تُقام حفلات الإستقبال وأيضاً المعارض الفنية التي لاتنقطع عن هذا المزار الثقافي العريق .
عبر تلك الحديقة يمكنك الاتجاه إلى قاعة السينما والعرض , يكفك دفع الباب بهدوء وربما تمشي على أطراف أصابعك وفي لمح البصر تجد نفسك في شوارع باريس أو تعيش تاريخ فرنسا السخي الغني .
أعرف شوارع باريس , وأحفظ أسماءها قبل أن أشد الرحال إليها , وأعرف أيضاً أسماء المسارح الشهيرة والفرق المسرحية الكبرى مثل الكوميدي فرنسيه .
أما المكتبة الفرنسية عالم أخر , تجد فيها مالم تجده في مكتبات مصر عن مصر , حينما تدخل المكتبة تشم رائحة عبق الثقافة , خلطة غريبة بين الفن والتاريخ والأدب والعلم والسياسة والقانون والمسرح .
المكتبة في هذا المركز جسر ثقافي لا يغفله المثقفون ….صالة الإطلاع ….بشر من عالم أخر يقرأون في صمت …دون ضجيج .
لم تحتوِ المكتبة على كتب فحسب بل أفلام و مستندات وخرائط ووثائق فضلاً عن نظام الميكروفيلم الذي يساعدك على البحث عن أي معلومة .
لم تغفل فرنسا خاصية التلقيح الثقافي للعقول النابهة من المصريين , ومن ثم كانت تؤمن أن للثقافة سحر أقوى من سحر الحرب , فرنسا في كل مستعمراتها كانت تبدأ بتعديل البنية الثقافية لأي دولة تحتلها
بعكس الإستعمار البريطاني الذي يعتمد على القوة العسكرية والسيطرة على مقدرات الشعوب .
لم يدر صاحبنا أن تلك الدرجات التي صعدها في هذا المكان العريق سوف تصعد به إلى قمة الفكر والثقافة وبالطبع إلى قمة برج إيفل .
اتجه صاحبنا إلى مكتب التسجيل ليجد سيدة فرنسية حسناء قابلته بإبتسامة وأشارت إليه بالجلوس , بينما هو حاول أن يتذكر جملة فرنسية واحدة كان يرددها طول الطريق وهي :
بونجور مدام …..!!
ونلتقي في الحلقة القادمة إن شاء الله