أكرم مسلّم
كتب/سليم النجار
متابعة:لطيفة القاضي
من الضروري في البداية التفرقة بين نهجين في التعامل مع الرواية ؛ النهج التقليدي ويتمثل في ” الأستناد ” إلى الكتابة السردية العادية والمتعارف عليها من زمن متسلسل ومكان يتماهى مع الزمن وبناء شخصيات روائية تكون خلفية للمكان والزمان ؛ والاعتماد عليه بوصفه إطار مرجعياً شاملاً ؛ أما النهج الثاني فهو نهج القراءة القصدية الواعية بذاتها وبكونها قراءة محكومة بأطر معرفية محددة ؛ وليست ” القراءة ” بألف ولام العهد أو ألف ولام الجنس . ومن الطبيعي أن يكون لكل نهج من النهجين مفهوم للرواية .
وإن كان الكاتب أكرم مسلّم في روايته ” التبس الأمر على اللقلق ” انحاز للنهج الثاني ؛ الذي لا يتعامل مع التكنيك الروائي على أنها حقائق أزلية وعلى الكاتب الألتزام بهذا التكنيك ؛ وخرج من هذا المعنى الضيق – ووظف تكنيك لغوي متصاعد للحدث : ( سيلعن الرواة جميعهم الزمن الذي لم يمنح الثائر ثواني ليفلت من رصاصة القناص ؛ كانت التقديرات انه لو اجتاز جرف الوادي لأفلت ص٣٤ ) .
وهكذا يتبين لنا أن المدخل الرئيسي للأنشغال بالرواية عند أكرم مسلّم ؛ هو مدخل البحث عن الهوية ؛ والتماس الطريق الفلسطيني الخاص الذي يروي حكايته : ( ألحقه المكتب بمعسكر تدريب للأشبال ؛ وسرعان ما لفت انتباه الجميع كأصغر متدرب ؛ وجرى حديث بأنه أصغر فدائي في العالم ؛ انتبه الإعلام لقصته ؛ وأطلق عليه في أحد التقارير لقباً صار لقبه الحركي : عوج بن عناق ص٧٥) .
لكن اذا كان خطاب أكرم مسلّم يتشابه على صعيد البحث عن الهوية المستقلة – مع الخطاب المعرفي الذي منطلقاته الأسياسية ؛ على صعيد القضية ” الوطنية ” وهي القضية التي تمثل الزواية الثانية من مدخله الروائي في مناقشة إشكالية الرواية كمنصة سردية تُرسل الحكايات ؛ وهذه الزواية هي التي تجعل من قراءته لفن الرواية واعية كما اسلفنا القول ؛ وتحدد هذه الزواية بطرح تساؤل عن أسباب فشل سرد الحكايات بشكل مُشّوق كما فعل أكرم : ( نحن لن نكتفي بمراجعة المرحلة ؛ يجب ان نمرحل المراجعة !
نحن ليست لدنيا أزمة هوية ؛ نحن لدينا هوية أزمة ! ص٩٤ ) .
ولكن ثمة الناحية الأخرى من الأزدواج ؛ وهي أنه من المؤكد أن عملية البحث عن الهوية لا يمكن أن تكون فعالة : أي قادرة على تعبئة الشعب لتنقيذها ؛ إلا إذا اتخذ فكرها شكلا وطنيا وتبنت الفكر العلمي في تشكيله المعاصر .
في مثل هذا المفهوم العميق للعلاقة بين الوطنية بمعناها الشامل وبين المعرفة بمعناها الواسع لا يمكن مجرد أداة بل هي رؤية متصاعد : ( ومما رواه عوج في ذلك الصباح ؛ أنه رفض الحرب إلا على حدود واحدة ؛ هي تلك التي تفصل بينه وبين بلده ؛ فعندما ” علقت ” في أيلول شارك في البداية ؛ لكنه لم يستطيع أن يكمل ؛ كان هو في الثورة وعمه في الجيش ” الأردني ” ؛ رتب امر الانسحاب مع مجموعته ؛ وعادوا كل إلا بيته ؛ ” لن تصدق ” قال اللقلق ” عندما وصلت البيت كان عمي سبقني إلى هناك ؛ هارباً من الحيش ” ص٧٥ – ٧٦ ) .
يمكن القول على هذا السرد الذي يحتوي بين طياته موقفاً واضحاً للكاتب ؛ وهذا يذكرنا بما قاله بيدرو كالديرون لاباركا ( ١٦٠٠ – ١٦٨١) ؛ لعنوان ملهاته ( الأسوأ ليس اكيداً على الدوام ) .
لطالما اراد الكاتب أن يؤمن بهذه الرؤية للتاريخ الاجتماعي الفلسطيني التي تشيع بعض الطمأنية ؛ على رغم كل المخاوف ؛ التي كانت جزء من سرد أكرم مسلّم 🙁 لم يعمل الجدّ في أي مكان ؛ أو عند أحد ؛ بعد الخدمة في جيش أورثه الوجع ؛ تمسّك بالتعميرة وبحقول الزيتون ؛ أراد البقاء في منطقة آمنة ربما ؛ بعد المشي على حافة حدود ملتبسة ؛ أسفرت عن ذبح بشع أغرقه في الدم ص٣١ ) .
في التاريخ الروماني حادثة معبرة ينقلها بلوتارك في كتابه السير المتوازية . ففي أحد المعارك ؛ انعزل المستشار الشهير كابوس ماريوس في موقع حصين ؛ وصرخ قائد قوات العدو به قائلاً : ( إذا كنتَ قائداً عظيماً ؛ انزلْ وحاربْ !) . فأجابه ماريوس : ( إذا كنتَ قائداً عظيماً ؛ أرغمني على الحرب عندما لا أريد ذلك ! ) . تُرى أن أكرم مسلّم من هذا النهج الذي يأتينا من العصور السحيقة ؛ : ( يلاحظ اللقلق استغراباً وفضولا في نظرات الناس . تخبره حاسته السادسة ؛ ان الناس عرفوا بتركيبه الزجاج في التعميرة غير العامرة ؛ على نحو إلى المنطق ؛ وأن الأمر أثار لديهم اسئلة كثيرة ؛ وتكنهات ربما يكون أبسطها انه اصيب بالجنون ص١٠٦ ) .
رواية أكرم مسلّم ” التبس الأمر على اللقلق ” ؛ هي التي تدفع المتلقي للتفكير اننا ندخل في عصر أليته ألية مدمَّرة … ربما …
زر الذهاب إلى الأعلى