شعر وحكايات
يوميات مهاجر في بلاد الجن والملائكة “33” العشاء الأخير
دكتور / محمد حسن كامل
رئيس اتحاد الكتاب والمثقفين العرب
مع تساقط أوراق الخريف الذهبية كان قطار الزمن يطوي تلك اللحظات الحانية في كتاب الذكريات .
حوالي ثلاثة شهور قضاها صاحبنا المهاجر بين دفتي تاريخ فرنسا العريق
تنفس رغم أنفه هواء العظماء
من حيث الأصالة والعراقة والأناقة واللباقة والثقافة
وكأنه في عالم أخر بعيداً عن ضجيج الحياة الباريسية .
كانت عقارب الساعة تلتهم الوقت
توسل صاحبنا للزمن أن يتوقف ولو للحظات ولكن هيهات ثم هيهات .
اوشكت شمس النهار على الرحيل
وراحت تجر ذيلها من الشفق الأحمر لتودع يوماً من ايام الله
حاول صاحبنا أن يتعلق بتلك الخيوط الذهبية حتى يطول النهار
لم تشفع عبراته وهو يودع هذا اليوم
كان أخر ايام سبتمبر
وكانت الاسرة منهمكة لإعداد مأدبة كبيرة
مأدبة ملكية
يُقال أن هناك شخصية مهمة سوف تشاركهم هذه المائدة الفخمة
كان على الجميع أن يستعدوا لهذه المائدة
مائدة العشاء الأخير
أخر ليلة في القصر
حيث تتجه مع صباح الغد السيارات نحو العاصمة باريس
أهدى صاحب القصر صاحبنا المهاجر بدلة سموكن كان قد أشتراها له خصيصاً لهذة الليلة مع قميص أبيض وبابيون أسود وحذاء اسود ….هكذا كما يقول البرتوكول الفرنسي العريق .
كان الجميع في حركة غير عادية
وأُضيت الشموع تعكس أضواءها من قناديل الكريستال المنتشرة في أرجاء صالة الطعام الرئيسية بالقصر .
وبدأت الموسيقى تداعب مسامع الحاضرين
بينما باقات الورد الطبيعي تملأ أرجاء المكان
هاهي مراسم العشاء الاخير في القصر
تذكر صاحبنا لوحة العشاء الأخير للفنان الإيطالي الرائع ليوناردو دا فينشي التي رسمها في عام 1498.
لوحة العشاء الأخير كانت تضم السيد المسيح وتلاميذه
تصور بقعة ضوئية من روائع الفن العالمي لشخصية الحب والخير والحق والجمال والتسامح في شخص المسيح عليه السلام والحواريين .
بدأ الحفل بوجود كل أفراد الأسرة رجال ونساء وأطفال
الحفل كان كرنفال ملكي من الطراز الأول .
وجاء سكرتير القصروالمسئول عن البرتوكول يدعو الجميع للمائدة
كل شخص له مكان معلوم بالأسم
وبالطبع كان صاحب القصر على رأس المائدة
أما رأس المائدة من الجهة الأخرى كانت من نصيب صاحبنا
لم يلمح صاحبنا وجوه الضيوف
كان يعتقد ان هذا الحفل مقام لإستقبال شخصية كبيرة
قطع صاحب القصر تفكير صاحبنا الذي شرد بعيداً لمعرفة اسباب هذا الإحتفال
قال الرجل للمهاجر :
كل عام وأنت بخير وبصحة وسعادة
على والديك أن يفخرا بان لهم ولد مثلك
لقد قضيت معنا أجمل لحظات عاشتها أسرتنا
أدخلت علينا البهجة والسرور
هذا الحفل مقام تشريفاً لك
أنت الشخصية المهمة التي نحتفل بها اليوم
اليوم عيد ميلادك ويسعدنا ان نحتفل به سوياً معك
نحن أسرتك هنا يا ولدي
ثم اعطاه مظروفاً
فتح صاحبنا المظروف وجد فيه مبلغاً من المال يكفي مصاريف الدراسة للعام كله
لمعت في عينيه عبرة , وأنحدت منهما دمعة , وعجز اللسان عن الكلام
بينما صاحب القصر دعا الجميع لإطفاء شمعة عيد الميلاد
وكانت القبلات تنهال على وجنتيه إبتهاجاً بهذه المناسبة الأسطورية
هنا قالت له : ” جي ” نحن جميعا نحبك حتى ….
لقد كانت دموع الحب خير رد على تلك الأسطورة التي يضن الزمان أن يأتي بمثلها .
أما ” جي ” أهدته قلباً مازال يحتفظ به في خزانته حتى الأن
هل يتكرر هذا الإحتفال الأسطوري مرة أخرى ؟
من يعلم …..!!
إنتظرونا في الحلقات القادمة
دكتور / محمد حسن كامل
رئيس اتحاد الكتاب والمثقفين العرب
إقرأ أيضا يوميات مهاجر في بلاد الجن والملائكة “32 “…درسا في فن الإتيكيت