شعر وحكايات

كلمة البروفسورة أميرة عيسى في احتفال توقيع ديوان محمد الديراني “خيّال على حصان طائر”

كلمة البروفسورة أميرة عيسى في احتفال توقيع ديوان محمد الديراني، “خيّال على حصان طائر” الذي جرى في سدني في ١/١٠/٢٠٢٠

متابعات : حاتم عبد الحكيم

إلى أين سيقودنا هذا الخيّال وهو على حصانه الطائر؟ يدعونا إلى امتطاء جواده المجنّح، ويطيرُ بنا إلى ميادين الشعر، وهناك نغوصُ معه في بحور من مختلف الأمواج، فنجدُ قصائد باللغة الفصحى وباللغة المحكيّة، ونجدُ الشِّعر الموزون، والنثر الشعري الحُرّ. كلّها قصائد تهزّ الوجدان وتأخذ القاريء إلى آفاق متعددة الألوان.

فهناك القصائد الوطنية بما فيها من حُبّ الوطن وثورة على الظلم، وهناك القصائد العاطفية التي تؤرجح القاريء بين مدّ الحُبّ وجزر الهجر، وما بينهما من نعيمٍ وشقاء، وبعادٍ ووصال.

خيّالنا يرتعُ في ربوع بلاد المهجر، لكنّه بتجرّع مرارة كأس الغربة، ففي قصيدته الأم “على جدار الزمن” يحدثنا عن ألمه في تلك البلاد البعيدة، ومحاولاته اليائسة في رسم وطناً بديلاً على جدار الزمن. وكذلك في “غياب” نشعر بحرقته لبعده عن أهله، حرقته هذه تزداد بعد وفاة امه وهو بعيدًا عنها، فيخصّها بقصيدتين تدميان القلب، “يا امي” و ” دخلك يا امي”، والشاعر يؤكد لنا أنه أصبح، بعد مماتها، يقسم باسم أمه واسم كلّ الأمهات بعد اسم الله.

وكذلك فأن الآلام تزيد عند فقدان بعض الأهل والأقارب والشاعر بعيدًا عن وطنه، فنجد في ديوانه بعضًا من القصائد في رثاء الأخ وإبن العم وغيرهم من شهداء الوطن، (“شهيد الوطن” ، “يا ابن العم” …).

انسانية الشاعر تتعدى حدود الأهل ليشارك بمأساة غرقى المهجّرين السوريّن، فيكتب رثائيّة ثوريّة “إلى إيلان”، وهو الطفل الذي استشهد عند غرق مركب ينقل مهجّرين.

وقلب الشاعر يبقى متعلقًا بوطنه الأم، فلبنان بالنسبة له أصل الكون، ففي قصيدة “ع لبال” يصور لنا حنينه الدائم الى تلكَ القريّة اللبنانية التراثية، حيث نجد نبع الماء والصبايا الجميلات. وتبقى بلدته قصرنبا عروس البقاع وهي رمز المجد والعز، وبعلبك هي مصدر فخره، وبيروت هي سيدة الحُبّ وعروس المدن.

ولا ينسى الشاعر محمد الديراني أن يحيّ الجيش اللبناني بقصيدة عصماء، فهو يرى في عديده أسودًا تحمي البلاد وتزود عنه البلاء. أما علم لبنان فله كلّ التحايا والإكبار، وهو يعتذر منه لأن بعض المواطنين قد أساؤوا اليه. وهو يتوجه إلى أبناء بلاده ويقول لهم في قصيدته المهمة: “فيقوا يا بشر”، وصلّوا معي “صلاة الإنتصار”، وهي صلاة الوحدة الوطنيّة والإبتعاد عن التعصب الديني القاتل، ويطلب منهم في قصيدته الملحميّة “بواب المدينة” أن يغلقوا أبوابهم على كلّ تدخل خارجي، ويفتحوا قلوبهم لبعضهم البعض، ويتآخوا، ويتحابوا ولا يتنابذوا، إذ أنّه في الوحدة الوطنيّة يوجد خلاص الوطن.

والشاعر لا يتورّع أنّ يُهاجم، في قصائده، حكام بلاده، ويعتبرهم أصل الفساد ويتهمهم بعدم الحنكة في إدارة البلاد(“مهزلة”، “هويّتي”…). وغضبه هذا يسري على حكّام بعض البلاد العربية الذين باعوا القضيّة الفلسطينيّة، هذه القضيّة التي تبقى حيّة في ضمير الشاعر ( “فلسطين”، “تبتّ يدا ابي لهبٍ وتبّ” ).

والشاعر لا ينسى من علّمه الشهامة والإباء وحفظ كرامة الاوطان (“صادق الوعد”، “الوعد الصادق”).

هذا الخيّال القوي الطائر، يحملُ قلبًا حنونًا رومنسيًا، فالحبّ عنده هو معنى الحياة، فهو عاشق يرى جنّته في “غمزة عيون الصبيّة”، ويكتب لها العديد من قصائد الغرام والعشق: “كمشة غزل”، “رسمات”، “يا زنبقة”، “همس الورود” ……

وككلّ العاشقين، لا بُدّ من بعض المعاناة من دلال الحبيبة، والحزن، وألم الفراق، فيترجّل الفارس عن جواده، ويمدّ إلى الحبيبة يدّ الرجاء والعشق: “الرقصة الأخيرة”، “سألت الليل عنكِ”، “طلّي”……

ويتساءل الشاعر وبكل أسى كيف يمرّ العمر ويعجز الإنسان أن يسترجعه: “يا سنين العمر”، “حطوا الكفافي الحمر”…

كلُّ هذه المواضيع متداخلة في مخيّلة الشاعر محمد الديراني، تتلاقى وتتماوج في وجدانه، وهكذا أرادها في ديوانه، غير منتظمة في أبوابٍ محدّدة، بل هي نوافذ من نورٍ مفتوحة على سماءٍ متألّقة، والكلّ يرفلُ باسلوب شاعريّ يُنعش الروح ويُبهر الفكر، فترى المتلقي، يقرأ، ويقرأ، وينتهي مذهولاً أمام تنوع المواضيع وسحر الصور.

ونرى شاعرنا، ذاك الخيّال على حصانه الطائر، يجوبُ الوهاد، يصعدُ الجبال، يقتحمُ الأنهار، يخترق الأدغال، يمسكُ بقبضته باقة من قصائده الرائعة، المتناثرة كشعر أنثى في مهبّ رياحٍ عاتيّة.

هكذا أرادها الشاعر، المحكية تتشابك مع الفصحى، الموزونة تتداخل مع الحرة، كلّها قصائد طليقة، طائرة، الكلُّ لجنون الشعر يخشع، والكلُّ في حِضنِ الألقِ يهجع……

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock