فتارةً هو شابٌ ميكانيكيٌ بسيط يجمعُ المفكّات وعُدّة العمل لوالده.. وتارةً هوَ مكتبةٌ بحجم المكتبة الوطنية الروسية وعالمُ مخطوطات عتيق فيها..
أحياناً هو الفنان المعروف.. محمود الفوال والمعلّم عمر والكاتب جلال وغيرها…
وأحياناً أُخرى هو الباحثُ في التّاريخ السّوري.. ورجلُ السّياسة المُخضرم والمُحنّك.. الذي يحاربُ بصوته وفكره ويطرحُ كُلَّ ما نخشى أن ننطقُ به بثباتِ جبلٍِ لا يهتز.. وتستعجبُ من أين أتى بالصّلابة هذه كُلّها.
تراهُ بجملةٍ واحدة أو اثنتين يهزُ كُلَّ ما فينا من ركامٍ فكري مُهترىء.. ويذهب بِنا لأماكن في عقولنا محشوة بتاريخٍ كاذب لُقّن لنا.. قد لا تتفقُ مع أفكاره كُلّها.. لكنّه ومن حيثُ يدري أو لا يدري.. يدفعنا للفعلِ الّذي لم نتعود.. التفكير.
وتراه بعد دقائق قليلة الطفلَ الشّقي على مقاعد مدرسة الجمعية الخيرية في حارة الجورة.. والأب الجميل لعائلة جميلة.
أسمعُ لقاءاته بنهم.. وأراهُ في ذاتِ اليوم يسيرُ ها هُنا في القيمرية.. يزورُ داره القديم.. والشّوارع التي اعتاد السّيرَ عليها في صباه بحذاءٍ واحدٍ طوال العام.. وأقف مدهوشاً.. لا لأنَّ المُمثل الشهير مرَّ من هُنا.. بل لأن في حياةِ هذا الرجل وشيبه وتواضعه ما يشبهُ هذه المدينة.. وأنا أُحبُّ هذه المدينة.