أخبار وفن
المسرح المنقوص
بدأ المسرح كما نعرفه في اليونان القديمة باحتفال ديني يسمى “ديثيرامب” حيث كان يقدمه جوقة من الرجال يرتدون جلود الماعز، لذلك جاءت كلمة “مأساة” “tragedy” من تعبير يوناني يعني “أغنية العنزة”، أما البداية التاريخية للملهاة “الكوميديا” “comdy” كانت في اليونان أيضاً في أعياد الإله “ديونيسوس” الذي يعتبر آلهة الخصوبة، فكانت تقام لهذا الإله عيدان، وقت زرع البذور ووقت حصاد العنب، عيد الحصاد تقدم الاحتفالات الحزينة لأن الإله سوف يموت مع الثمر وفي أعياد الزرع فإن الاحتفالات تكون سعيدة لأن الإله سوف يحيا من جديد مع الزرع ومع هذا العيد تحديداً ظهرت الكوميديا، إذاً الكوميديا هي نقيض التراجيديا والوجه الآخر من أيقونة المسرح، يطول الحديث حول الكوميديا في المسرح لأنها أصيلة وليست طارئة كما يحاول أن يروج له البعض.
للأسف عندما تمثل أو تخرج عمل كوميدي يشعرك البعض ممن يطلقون على أنفسهم مسرحيين أن هيبتك المسرحية قد تلوثت، هذا مفهوم خاطئ عن الكوميديا دارج في الوسط المسرحي، احتقار الكوميديا لدى الممارسين المسرحيين لا أعلم ماهي مسبباته هل لأوضاع الدول العربية السياسية وما عانت منه على مستوى الحروب والخلافات دوراً في ذلك ربما.
كل مسرحي عربي عليه ان يعرف تمام المعرفة ان كل ما يقدمه من كوميديا على خشبة المسرح عندما يعتمد على كوميديا الموقف، الكوميديا السوداء، الكوميديا الساخرة، التناقضات، لإيصال الفكرة الرئيسة للنص المسرحي المكتوب دون تهريج أو إسفاف، هو مسرح له قيمة عظمى ومؤثر على المجتمع.
من وجهة نظري المسرح هو المسرح دون النظر للنص هل هو كوميدي أو تراجيدي، كما يعلم الجميع ان النص المسرحي التراجيدي من الممكن ان يتحول الى كوميدي إذا قدر له مخرج يعرف كيف يتعامل مع النص وممثلون لديهم القدرة والمهارات الكوميدية المطلوبة سوف يتحول إلى عرض كوميدي مميز مع الاحتفاظ بالأفكار الرئيسة للنص، أتذكر في احدى دورات مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي حضرنا مسرحية للكاتب المسرحي الكبير شكسبير للوفد السوري الذي قدمها بالصورة الدرامية التراجيدية وقدم نفس العرض ايضاً فرقه مسرحية من مصر على خشبة مسرح حلقي بشكل كوميدي مميز، أكثر من كان ينتزع منه الضحكات من الجمهور في العرض المصري هو الوفد السوري الذي تواجد في العرض وأستمتع به، عندما تهتم بالأداء التمثيلي وتتقن العمل الفني للعرض المسرحي، مع الأخذ بالاعتبار الاهتمام بالتوقيت الكوميدي، تعبيرات الممثلين، ليونة الجسد لدى الممثل، التواصل والتفاعل ما بين العرض والجمهور، تغيير الديكور بشكل مميز، كل هذا سوف يؤدي إلى عمل مسرحي مميز يقدم للجمهور الضحكة في قالب محترم ليصل لرسالة العرض بكل بساطة أو تعقيد.
شكسبير ومولير كتبا للمسرح الكوميدي، المسرح الكوميدي يحمل أهمية كبيرة في المجتمعات، يُستخدم المسرح الكوميدي في بعض الأحيان لتسليط الضوء على بعض القضايا الاجتماعية والسياسية، كما يمكنه أن يعرض القضايا المجتمعية المعقدة بشكل طريف ومرح، وبالتالي يساهم في رفع الوعي بتلك القضايا وتشجيع النقاش والتفكير حولها.
كما يمكن للمسرح الكوميدي أن يساهم في تحرير الناس من القيود والتقاليد، ويشجع على التفكير خارج الصندوق.
المسرح الكوميدي النقي لا ينتقص من الفنان بل يضيف إليه الكثير ويستطيع الفنان التعبير عن ذاته والبوح بأفكاره من خلاله، الكوميديا تساعد على تنمية وتطوير مهارات التمثيل كما تساهم في تعزيز الثقة لدى الممارسين به، أشكر كل من يساهم في المسرح الكوميدي وأعلم بمدى صعوبة التعاطي مع هذا الفن المسرحي الخاص وأطلب منهم مواصلة المشوار المسرحي الابداعي لديهم بكل فخر واعتزاز لأنك ببساطة تؤثر في حياة الناس وتسمح لهم بالمضي قدماً بابتهاج وسعادة وفرح.
سامي الزهراني
ممثل ومخرج مسرحي
اقرأ المزيد المجتمع المسرحي بقلم / سامي الزهراني
النحات لطفي برجاس” أعجبت بفن العمارة لما فيه من جمال ،وتعاملي مع الحجر هو حب وصدق والتصاق