حياة الفنانين
د.فندي أبو فخر” التاريخ لا ولن يعيد نفسه وإذا ما تكرر حدث تاريخي ما ، فإنه يبدو باهتاً لا تأثير فاعل له.
إعداد وحوار /ريمه السعد
علم التاريخ من أهم العلوم الاجتماعية التي تخدم حاضر ومستقبل الشعوب ،فمن يجيد قراءة التاريخ يحالفه الصواب والنجاح
حوارنا مع قامة نيرة ربطت الماضي بالحاضر لتضيء طريق المستقبل ،الدكتور فندي أبو فخر أحد أهم الباحثين والمؤرخين الذين استطاعوا أن يكونوا المرجع في دراسة التاريخ الحديث والمعاصر ، نهجه البحث والدقة وسنده الحجة والوثيقة
*بداية نرحب بالباحث والمؤرخ د.فندي أبو فخر
بلمحة مختصرة نعرف القراء على بداية حكاياتك مع التاريخ
سيدة ريمة .
أشكرك أولاً على اهتمامك بالتاريخ .
الأمة التي لا تحفظ تاريخها، لا بد أن يدفعها التاريخ إلى هامشه، بل والخروج منه . ولعل أسمى أهداف قراءة التاريخ لا تعني الإقامة في الماضي بين ذكريات السلف وترديدها ، وكأن الأسلاف لم يتركوا شيئا للأخلاف. فالركون لأحداثه والمراوحة في أزمانه الماضية تعني السير نحو هوامش الحياة الاجتماعية، بل نحو الزوال .
ولعل الفضل في تكويني منذ الطفولة يعود لوالدي،
ولقد أكمل أساتذتي فضل والدي ، ولهم جميعاً خالص التقدير والمكانة الكبيرة في قلبي من الاحترام من المرحلة الابتدائية وحتى الجامعية.
ففي المرحلة الإعدادية والثانوية زرع في ذاكرتي مدرسو مادة التاريخ ومنهم الأستاذ مهنا جهيم في الثالث الثانوي الذي كان يهدينا إلى أهمية تفسير التاريخ وفهم أحداثه ثم حفظها. وما زالت صورته وهو يتنقل بين المقاعد ويحرضنا على قراءة الكتب الأدبية والتاريخية .
وكذلك، كان لأساتذتي في الجامعة الدور الأهم في غرس روح البحث العلمي
*الأمة التي تحفظ تاريخها تحافظ على هويتها
كيف يتم الحفاظ على حاضرة اي أمة ومنعها من الضياع؟
لا يمكن الحفاظ على أمة من الأمم تعتمد على أفكار ما قبل الدولة، ولا تستخدم الحداثة منهجاً وأسلوباً علميا .
أيضاً ، لا بد من الأخذ بالعقلانية وتفعيل دور العقل في مظاهر الحياة الاجتماعية كافة، وإصلاح التعليم وتطويره ، وبناء مؤسسات علمية وإدارية وطنية لكل مواطنيها، واستحداث دساتير حديثة تحمي الحريات العامة، وتصون كرامة الشعب وسيادته .
*لديك العديد من المؤلفات التاريخية الموثقة والتي تتعلق بتاريخ سورية وتاريخ جبل حوران
هل د.فندي أبو فخر عن الصعوبات التي واجهتك خلال البحث والاستقصاء لتوثيق هذه المؤلفات ؟
لا بد أن يجد أي باحث أمامه كما من الصعوبات ، التي عليه أن يتغلب عليها ليصيب نجاحاً في عمله .
الصعوبات التي واجهتني كثيرة لا سيما لجهة التاريخ الاجتماعي ، لأن معظم جامعاتنا أسيرة التاريخ السياسي بعيداً عن الفضاء الإنساني للناس الذين هم جوهر الحدث ومادته وسياقه التاريخي ..والنأي بالتاريخ إلى المعطى السياسي لا يعبر عن دور أنماط القوى الفاعلة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية التي ولدت الأحداث السياسية في رحمها .
هناك في منطقتنا العربية إشكالية في الدراسات التاريخية في العصر الحديث لجهة الاعتماد على المصادر والوثائق الأوروربية والمحلية دون الاعتماد على الأرشيف العثماني الذي بات مصدراً ثريا للمؤرخين والباحثين .
ففي دراستي لتاريخ بلاد الشام عامة وتاريخ منطقة حوران خاصة وجدت كماً من الوثائق والمصادر ساعدتني على الولوج في فضاء أوسع في فهم تاريخ العرب مما لو بقيت في إطار المصادر العربية والأوربية فقط.
من تلك المصادر على سبيل المثال التي عمقت نظرتي ما حوته :
(سالنامة ولاية سورية ) (التقرير السنوي عن ولاية سورية) وسالنامة الدولة العلية العثمانية وثائق أخرى هامة جدا.
*في واقعنا المعاصر نعاني من الأمية المقنعة لا تقل خطورة عن سابقتها الأمية الثقافية ،برأيك ماهي الخطوات التي يجب اتباعها للتخلص منها؟
.يبدو أن الخلاص من أمية القراءة والكتابة وحدها باتت لا تسمن من جوع ، مما خلق أطيافاً واسعة من المتعلمين دون أن تتحرر عقولهم من أفكار ما قبل النهضة والتنوير .
وطالما أن التعليم في بلادنا غارق في التلقين والإلقاء النظري دون تعليم التلميذ طرائق التفكير، وطرح السؤال وتأهيله لاستخدام العقل للإجابة عليه يكون دماغ المتعلم في بلادنا غالباً مثل وعاء يحفظ ما بداخله ولا يحسن توظيفه.
*يقول الكاتب الامريكي “مارك توين ” لو كان الموتى يتكلمون لما أصبح التاريخ مجموعة من الأكاذيب …برأيك ما مدى المصداقية في تاريخنا وهل هناك شفافية وموضوعية في التأريخ العربي ؟
.جميل قول مارك توين ( لو كان الموتى يتكلمون لما أصبح التاريخ مجموعة من الأكاذيب)
نعم، تعج مكتباتنا بمؤلفات فيها الكثير من التزوير ما دامت البنى السياسية العربية ترى كتابة التاريخ ضمن فضائها ومصالحها ، ولا ترضى النظر لأحداث الماضي إلا بما يكرس رؤيتها.
غير أن الكتابة التاريخية التي تعتمد المصادر والوثائق والتحليل والتركيب والنظرة الدقيقة عند قراءة الوثيقة والمصدر لابد أنها تقارب نسبياً الحقائق بعيداً عن الزيف والبهتان والتزوير.
*بين العم غوغل والسيدة ويكبيديا وغيرهم ضاعت الحقيقة الدقيقة
على من تقع مسؤولية ضياع التراث التاريخي لدى شباب اليوم ؟ وكيفية حمايته ؟
ما نجده في عالم غوغل ووسائل التواصل الحديثة من رؤى متناقضة، لأن التناقض يعود في تباين الأهداف لهذه الوسائل ولمآرب مموليها ، وعلينا أن نعترف أنها تدار بطرق على غاية من الدهاء لتسويد رؤى وأهداف الدول الكبرى لخدمة أغراضها السياسية ، فبتنا نرى أن كثيراً من الدعاوى السياسية الزائفة وكأنها حقائق بفعل الضخ الإعلامي لصناعة رأي عام يخدم توجهات معينة.
لا بد من وجود مراكز بحوث علمية تُوقد و تُشعل ذهن الطالب والدارس وتعمق النظرة النقدية التي تساعده على حفظ تراثنا بعيداً عن اعتماد النقل والتكرار.