كان رساما عبقريا بقدر ما كان عالما عبقريا …
كتب / خطاب معوض خطاب
د.جمال حمدان العبقري صاحب موسوعة شخصية مصر …
نشرت جريدة أخبار الأدب في عددها رقم 1199 تحقيقا عن العالم العبقري د.جمال حمدان ذكرت فيه الكثير مما خفي من حياته إلا أن المفاجأة الكبيرة كانت في نشر عدد من اللوحات التي رسمها العالم الراحل من بينها هذا البورتوريه المصاحب للمقال ة هذا إن دل فإنما يدل على أنه جمع بين العبقرية الفنية بجانب العبقرية العلمية .
ولد جمال محمود صالح حمدان بقرية ناي محافظة القليوبية في 4 فبراير 1928م لعائلة تنحدر من قبيلة بني حمدان العربية و حصل على شهادة الثقافة سنة 1943م ثم ليسانس الآداب قسم الجغرافيا من جامعة فؤاد الأول سنة 1948م ثم دكتوراه الفلسفة في الجغرافيا من جامعة ريدنج في بريطانيا سنة 1953م .
بدأ حياته العملية معيدا بقسم الجغرافيا بكلية الآداب جامعة القاهرة و ظل يتدرج في مناصبه العلمية حتى بلغ درجة أستاذ الجغرافيا بالكلية لكنه اصطدم بمن أدى به إلى الإستقالة من العمل الجامعي سنة 1963م و هو ما زال في سن الخامسة و الثلاثين من عمره و خلاصة الموضوع أنه رأى من هم أقل منه شأنا و موهبة و علما و درجة يسبقوه و يتخطوه في الترقية و لأنه كان رجلا معتدا بنفسه فقد قدم إستقالته من منصبه الجامعي و تفرغ للبحث العلمي و الإبداع الفكري نذر نفسه و عبقريته للبحث و الدراسة و الكتابة و ظل معتكفا داخل شقته و انقطع عن العالم الخارجي و كانت شقته بمثابة الصومعة يدخلها و يغلق بابها على نفسه و لا يفتح لأحد أو يرد على أحد إلا للبواب الذي يأتيه بطلبات المعيشة و لناشر كتبه إذا جاء للحديث معه فقط .
من أشهر مؤلفاته : أنماط من البيئات و جغرافيا المدن و دراسات في العالم العربى و (إستراتيجية الإستعمار و التحرير) و 6 أكتوبر في الإستراتيجية العالمية و اليهود أنثروبولوجيا و المدينة العربية و قناة السويس و القاهرة و (سيناء في الإستراتيجية و السياسة و الجغرافيا) و لكن تظل موسوعة (شخصية مصر .. دراسة في عبقرية المكان) هي الأكبر و الأعظم و الأروع و الأشهر و الأكثر إنتشارا من مؤلفاته الأخرى فقد قدم فيها تفسيرا جديدا للتاريخ المصري يعتمد فيه على التحليل الجغرافي و قد أثارت هذه الموسوعة التي ظل يعمل عليها 10 سنوات حتى أكملها دويا هائلا وقت صدورها حول ما جاء بها من حقائق كانت مخفية بين سطور التاريخ و بلغ عدد صفحات هذه الموسوعة حوالى 4000 صفحة و اعتمد في كتابته لها على مصادر يعجز القارئ عن حصرها فيكفى أن نعلم أنه اعتمد في المجلد الرابع منها على 245 مرجعا باللغة العربية و 791 مرجعا باللغة الإنجليزية هذا غير عشرات المقالات التي إستعان بها و أثبتها في هذه الموسوعة الشهيرة .
تم تكريم د.جمال حمدان بسبب نبوغه و مؤلفاته المبهرة غير المسبوقة فتم منحه جائزة الدولة التشجيعية في العلوم الإجتماعية سنة 1959م و جائزة الدولة التقديرية في العلوم الإجتماعية سنة 1986م و وسام العلوم من الطبقة الأولى عن موسوعة شخصية مصر سنة 1988م كما حصل على جائزة مؤسسة التقدم العلمى بالكويت كما عرض عليه تمثيل مصر في احدى اللجان الهامة بالأمم المتحدة و رئاسة جامعة الكويت و إنشاء و تولي وزارة التعليم العالى بليبيا و عضوية هيئة اليونسكو و عضوية مجمع اللغة العربية لكنه رفض كل ذلك مكتفيا بالدراسة و البحث و الكتابة في معشوقته الجغرافيا .
عزل د.جمال حمدان نفسه داخل مسكنه المكون من غرفة و صالة بالدور الأرضى بالعقار رقم 25 الكائن بشارع أمين الرافعى المتفرع من شارع هارون بالدقى حيث لم يفتح باب شقته إلا للبواب من أجل أمور المعيشة و لناشر كتبه فقط و عاش زاهدا و ظل معتكفا داخل شقته الأشبه بصومعة الراهب حيث لم يمتلك سيارة يوما أو تليفزيون و لا حتى ثلاجة فقد نذر نفسه فقط للبحث و الدراسة و الإبداع .
كتب عنه صديقه الكاتب و الصحفي الكبير أحمد بهاء الدين يصف حالته المادية و مسكنه غير اللائق بعبقري مثله و كان يهدف من وراء ذلك مساعدته بأن يصرف له معاش إستثنائى يتعيش منه لكن كانت القطيعة بينهما حين علم د.جمال حمدان بذلك فقد غضب منه غضبا شديدا و استمرت مقاطعته لصديقه الذي كان مقربا حتى وفاته .
كانت وفاته في 17 أبريل 1993م نتيجة إشتعال النار في جسده و مسكنه بعد تسرب الغاز من أسطوانة البوتاجاز الموجودة بمطبخه و قد أشيع وقتها أن الموساد الإسرائيلي كان وراء مصرعه بسبب ما صرح به قبلها بأنه يعد كتابا عن اليهود و الصهيونية يدحض فيه مزاعمهم بحقهم التاريخي في أرض فلسطين و يكشف فيه أن اليهود الموجودين حاليا ليسوا من نسل اليهود الذين سكنوا أرض فلسطين قديما و من المعروف أن اللواء عبدالعظيم حمدان شقيقه بالإضافة لناشر كتبه قد أعلنوا أنه كان يعد لثلاثة كتب منهم هذا الكتاب لكن بعد وفاته لم يعثروا على أي أثر لأصول هذه الكتب .
المصادر :
كتاب موسوعة نساء و رجال من مصر ( لمعي المطيعي ) .
موسوعة 1000 شخصية مصرية ( لمعي المطيعي ) .
الموسوعة في أعلام الدنيا ( مجدى سيد أحمد ) .
مجلة الأهرام العربي 23 أبريل 2014م .
جريدة اليوم السابع 24 يونيو 2010م .
مجلة المصور 1 سبتمبر 2010م .
جريدة أخبار الأدب العدد 1199 .
جريدة الأهرام العدد 46158 .