كتب/خطاب معوض خطاب
العقاد هو عملاق الفكر العربي عباس محمود إبراهيم، والعقاد هو لقب جده إبراهيم الذي كان يعمل بعقد الحرير ولذلك غلب عليه اسم صنعته فأصبح اسمه إبراهيم العقاد ولذلك حمل أديبنا الكبير لقب جده.
ومما يؤثر عن الأديب الروائي والشاعر والمؤرخ والصحفي والناقد والبرلماني متعدد المواهب عباس محمود العقاد بعيدا عن إبداعه المشهود له به والمعروف عنه أنه كان صاحب شخصية متفردة وعزيمة صلبة وقوية لا تلين أو تنكسر او تخضع لأحد، وقد دخل العقاد العديد من المواجهات والتحديات والمعارك الفكرية المعروفة، لكن للعقاد مواجهات وتحديات مهمشة نتعرض لبعض جوانبها هنا.
فقد حدث في عهد الملك فؤاد أن أراد الملك أن يغير مادتين في الدستور، أولاهما التي تنص على أن الأمة هي مصدر السلطات، والثانية هي التي تنص على أن الوزارة تكون مسئولة أمام البرلمان، فما كان من عباس محمود العقاد عضو مجلس النواب في ذلك الوقت إلا أن أمسك بالميكروفون وأعلنها مدوية: “إن الأمة على استعداد بأن تسحق أكبر رأس في البلاد يخون الدستور ولا يصونه”. قالها العقاد بكل جراءة ولم يأبه لما ناله من عقاب بتهمة العيب في الذات الملكية حيث حكم عليه بالسجن لمدة 9 أشهر.
ولأن العقاد وكعادته دوما يهوى تحدي الصعاب، وعلى استعداد لأن يخوض أعتى المعارك ضد ما يراه خطأ حتى ينتصر لرأيه، وقد خاض العقاد معركة فريدة من نوعها لم يكن ليخوضها غيره، ألا وهي معركته ضد التشاؤم، فقد أثر عنه أنه كان يضع تمثالا للبومة على مكتبه على العكس تماما ممن يستاءون منها، كما كان يسكن في منزل رقم 13، وحينما أراد أن يعيد بناء بيته بأسوان بدأ العمل فيه يوم 13.
والأعجب من هذا كله أنه تصدى لإصدار كتاب عن شعر ابن الرومي بعدما اشتهر أن من شرحوا ديوانه أو طبعوه أو أثنوا عليه قد أصيبوا بكارثة، وتفصيل ما حدث أن العقاد بلغه أن حشمت باشا وزير المعارف في ذلك الوقت قد أوصى بطباعة كتاب عن ديوان ابن الرومي فسقطت الوزارة كلها كما توفي المشرف على طباعة الديوان، وكذلك الشاعر إبراهيم عبد القادر المازني والذي أراد هو الآخر أن ينسخ قصائد ابن الرومي، فسقط وأصيبت قدمه وظل يعرج بسبب ذلك السقوط طوال حياته، وكذلك كامل الكيلاني الذي بدأ يطبع محتويات من شعر ابن الرومي، وحدث أن مات والده.
كل هذا رآه وسمع به العقاد، وبالإضافة لهذا كله حذره الكثيرون من شؤم الكتابة عن ابن الرومي وقالوا له: “إن هذا الرجل لم يتعرض للكتابة عنه إنسان وسلم”. لكن العقاد ولأنه العقاد استمر في مشروع كتابه حتى أنجزه وأصدره، لكن الغريب وكما ورد على لسان العقاد نفسه أنه وبعد أسبوعين من اصداره الكتاب قد دخل السجن، أما سيد كامل مدير المطبعة التي طبع فيها الكتاب فقد مات في نفس الوقت تقريبا.