إعداد كارول الخوري مؤسسة صفحة الشحرورة صباح
لم يحدث في تاريخ الاغاني المصرية ما حدث مع اغنية ” زنوبة” والتي انتهى الصراع حولها الى النيابة والقضاء وتوقيع الحجز على الشهيرة “زنوبة” .
و”زنوبة” التي حجز عليها المحضر بأمر من القضاء ليست بطلة الفيلم “زنوبة” وانما الاغنية التي غنتها الشحرورة صباح في فيلم “ازاي انساك” سنة 1956 وحققت نجاحاً ساحقاً وجرت على كل شفو ولسان في كل قطر عربي .
وقبل ان اتحدث عن تفصايل هذا الصراع وما آل اليه، لا بد من الحديث قليلا عن نشاة تلك الاغنية وظروفها، و قصة “زنوبة” تبدأ في فيلم ازاي انساك الذي انتجه الموسيقار فريد الاطرش عام 1956 وقد ارتأى مخرج الفيلم احمد بدرخان ان احد مشاهد الفيلم الذي يدور في فرح شعبي يقتضي وجود اغنية شعبية تؤديها مطربة الافراح في الفيلم “زنوبة”. ثم التقى بدرخان في مكتب فريد الاطرش بمؤلف الاغاني الشعبية محمود فهمي ابراهيم وشرح له المشهد الذي ستغني فيها بطلة الفيلم تلك الاغنية. وخرج محمود فهمي ابراهيم الى قهوة الشمس المحاذية لمكتب فريد الاطرش وشرع في تأليف الاغنية وفي خلال نصف ساعة كان قد انتهى منها وأفل عائداً الى مكتب فريد الاطرش ولكنه لم يجده فترك الاغنية مع شقيه فؤاد الذي كان مديرا لأعماله.
وفي المساء تسلًم فريد الاغنية وجلس في سريره ممسكا العود وبدأ يدندن اللحن وانتهى من تلحينها في نص ساعة ايضا ثم اتصل بصباح على الفور واستدعاها الى منزله ليسمعها اللحن.. وحضرت صباح الى بيت فريد الاطرش ليلاً يرافقها زوجها انذاك انور منسي وزميلتها وصديقتها فاتنة المعادي كريمة. وعندما سمعت صباح اللحن قفزت فرحاً واعجاباً به وصرخت : “الله ده حيبقى لحن الموسم”. وبدأت على الفور حفظ اللحن مع فريد الاطرش ولم يستغرق ذلك معها سوى ساعة واحدة فقط. وفي اليوم التالي وكان ذلك في منتصف ديسمبر 1955 سجلت صباح يرافقها فريد الاطرش اغاني الفيلم في استوديو الاهرام ومن هناك بدأت تباشير نجاح هذه الاغنية ، اذا راح العاملون في الاستوديو يرددونها مبتهجين بعد ان انتهت من تسجيلها. كما تنبأ الموسيقيون الذين شاركوا في عزفها في الاستوديو اثناء التسجيل ان اغنية زنوبة ستكون نجمة اغاني الفيلم ونجمة اغاني الموسم
وفي 30 نيسان 1956 عرض فيلم “ازاي انساك” بسينما ديانا في القاهرة و وسينما ريفولي في بيروت. وحقق نجاحاً هائلاً وحققت اغنية “زنوبة ” نجاحاً ساحقاً في مصر ومختلف الدول العربية وحتى دول الاغتراب. واصبح اسم صباح في الصحافة ولدى الجمهور زنوبة، على مدى عامين عقب عرض الفيلم. وتروي صحافة تلك الايام ان صباح ذهبت في احد الايام الى شارع عماد الدين الشعبي في القاهرة لشراء بعض الهدايا قبل سفرها الى بيروت وما ان خرجت من التاكسي الذي كان يقلّها حتى احاط بها المارة وارتفعت الاصوات تنادي بعضها البعض : زنوبة يا جدعان صباح يا جدعان والتف المارة حولها وكادت تصاب باختناق فدخلت الى محلات جاتينيو لتختبئ واستدعى صاحب المحل تاكسي آخر واخرجها من الباب الخلفي وغادرت المكان .
ومن مؤشرات نجاح الاغنية ايضا اكتساحها لطلبات المستمعين في الاذاعة المصرية كما اكدت ذلك الاعلامية الكبيرة سامية صادق التي كانت تشرف على برنامج ما يطلبه المستمعون وقالت صادق في تصريح للصحافة ان 70% من الرسائل التي وردت الى الاذاعة منذ بدء عرض الفيلم من مستمعي الاذاعة في مصر والخارج ، كانت تطلب اغنية زنوبة دوناً عن سواها من اغاني الفيلم. وكانت “زنوبة” تذاع بين عشرة الى اثنتا عشرة مرة في اليوم الامر الذي لم يحدث مع اي اغنية اخرى اطلاقاً.
وامام نجاح “زنوبة” الهائل تهافتت شركات الاسطوانات للحصول على حقوق تسجيلها على اسطوانات ، وهنا بدأت الحرب بين شركات الانتاج الموسيقية ولان هذا الموضوع تضبطه قوانين جمعية المؤلفين وناشري الموسيقى في باريس “ساسيم” والتي ينتسب اليها عدد كبير من المؤلفين والملحنين المصريين ، والتي كانت تتولى مهمة تحصيل حق الاداء العلني لاعمال اعضائها من جميع بلدان العالم. ويبيح قانون الجمعية للجمعية نفسها الحق في ان تبيع انتاج اي عضو فيها دون الرجوع اليه وفريد الاطرش ومحمد فوزي كانا منتسبين الى تلك الجمعية. ومحمد فوزي كان يملك شركة انتاج اسطوانات باسم مصرفون ومسجلة في الجمعية في باريس وبذلك تكون له الاولوية في شراء انتاج الاعضاء الاخرين. وبناء على تلك المعطيات سارع محمد فوزي الى شراء حقوق تسجيل اغنية “زنوبة” على اسطوانة من انتاج شركته وتعاقد على ذلك مع الجمعية في باريس ثم سافر الى صباح في بيروت في يونيو 1956 وتعاقد معها على تسجيل الاغنية بصوتها. وفي نفس الوقت كانت شركة كايروفون تسعى ايضا للحصول على حقوق تسجيل تلك الاغنية غير انها لم تتمكن من ذلك لانها غير مسجلة في جمعية المرلفين وناشري الموسيقى في باريس، فقامت الشركة بالإتفاق مع مؤلف الاغنية محمود فهمي ابراهيم لقاء مبلغ من المال والذي لم يكن يعلم بتطورات الامور الحاصلة حول هذه الاغنية بين باريس والقاهرة. ولكن الجمعية لم تتأخر في ارسال انذار بالفصل للمؤلف بسبب مخالفته لقوانين الجمعية.
لكن شركة كايروفون لم تكترث لموقف الجمعية في باريس وواصلت مسعاها للحصول على حقوق تسجيل الاغنية، وخاطبت شركة افلام فريد الاطرش وعرضت استعدادها لدفع مبلغ 300 جنيه مقابل تنازلها عن حقوق استغلال الاغنية.
تعددت الروايات حول موقف فريد الاطرش الذي كان ملتبساً بشأن هذه القضية. فقد ذكرت الصحف أنذاك ان شركة فريد الاطرش لم تكن تعلم بالخلاف الذي حصل بين الجمعية ومؤلف الاغنية فوافقت على عرض كايروفون شرط رفع المبلغ الى 500 جنيه ثم عاد فريد وتراجع عن اتفاقه مع كايروفون بعد ان علم ان الفنان محمد فوزي حصل على حقوق الاغنية من الجمعية في باريس وقام بالتعاقد مع فوزي لقاء 500 جنيه ايضا.. وتتابع رواية الصحف ان شركة كايروفون كانت في تلك الفترة قد تعاقدت مع المطربة اللبنانية نجاح سلام لتسجيل الاغنية بصوتها على اسطوانة وفعلا قامت بتسجيلها في استوديو مصر في اواخر شهر اكتوبر 1956 .
ولطن تلك الرواية تكذبها تصاريح صاحبتي الشأن، اي المطربة صباح والمطربة نجاح سلام التي قالت لصحيفة الحياة السعودية بتاريخ 30 يوليو 2001 ان الموسيقار الاطرش طلب منها تسجيلها بصوتها لصالح شركة كايوروفون .. كما ان الصبوحة اعلنت في لقاءات عديدة لها كان اخرها لصحيفة الحياة ايضا بتاريخ 11 ابريل 2010 ان فريد الاطرش اعطى الاغنية لنجاح سلام لأنه كان يريد إغاظتها فسجلت نجاح “زنوبة”بصوتها ولم تنجح معها لانها تغني الطرب و صوتها لا يسمح لها بغناء هذا النوع من الاغاني وبعد فشل الاغنية بصوت نجاح سلام عاد وسجّلها بصوتي . وتابعت صباح ان فريد كان يغار إذا لحّن لها أغنية ونجحت، ويبقى سنة من دون أن يكلمها. وحصل ذلك بعد اغنية “حبيبة أمها” فقد ظل سنة كاملة لا يكلمها. وكان يريد تسجيل الأغنية بصوته لكي يثبت ان نجاح تلك الاغنية غير منسوب لصباح، لكن شركات الاسطوانات في مصر والتي كان يملكها لبنانيون لم يسمحوا له بتسجيل الاغنية بصوته.
وكلام نجاح والشحرورة صباح اقرب الى الحقيقة من الرواية التي اوردتها الصحف، ففي تصريح لمجلة الجيل المصرية بتاريخ 21 مايو 1956 قال فريد الاطرش انه لا يفتخر بنجاح اغنية “زنوبة” (ويقصد بصوت صباح لان نجاح لم تكن قد سجلتها بعد) لانه كملحن يميل الى ان يقدّر الجمهور المجهود الموسيقي الضخم المبذول في الاغنية وتابع فريد ان في الفيلم اغانٍ غير “زنوبة” ولكنها لم تحصل على شهرتها رغم ما بذل فيها من مجهود موسيقي وختم فريد قايلاً: انه يعتقد ان اغنية “زنوبة” من الاغاني الشعبية التي لا تعيش طويلاً، لأن الاغاني الشعبية يقتل بعضها البعض!”.
من هنا يتاكد ان فريد اعطى الاغنية لنجاح سلام ليثبت للجميع ان سبب نجاح اللحن هو الموسيقى التي وضعها هو وليس غناء صباح لها ولكن النتيج جاءت مخيبة ولم تنجح الاغنية بصوت نجاح سلام ولم تحصل على اية شهرة تذكر ولا زالت الجماهير حتى يومنا هذا تربط “زنوبة” بصباح وصباح “بزنوبة” في الدول العربية وحتى اقاصي الارض حيث ان الصبوحة كانت في ذلك الوقت تقوم بجولة على اوروبا وامريكا وكان ابناء الجاليات العربية عندما يشاهدونها في الشوارع ينادنوها بزنوبة، كما كان رواد حفلاتها في مختلف الولايات الامريكية يلحون عليها في طلب اغنية “زنوية “.
وبالعودة الى صراع شركات الاسطوانات على “زنوبة” وما آل اليه ، فقد انتهى الصراع في المحاكم والنيابة واقسام الشرطة حيث ان الفنان محمد فوزي وعندما علم بان نجاح سلام سجلت الاغنية بصوتها لصالح شركة كايروفون، اعتبر ان في ذلك اعتداءاً على حقوق شركته فقام برفع دعوى مستعجلة امام محكمة القاهرة وطلب فيها الحجز على كل تسجيل لاغنية زنوبة لدى استوديو مصر. وانتهى الصراع بتوقيع الحجز على “زنوبة” نجاح سلام وكايروفون يوم 3 نوفمبر 1956 ثم قامت الشحرورة بتسجيلها لصالح شركة محمد فوزي “مصرفون” بعد عودتها من الولايات المتحدة الامريكية في 13 يناير 1957 وطرحت الاسطوانة في الاسواق بعدها بايام لتتابع مسيرتها مع النجاح والتفوق الذي بدأتهما منذ ان غنتها في فيلم ازاي انساك .
لينك صفحة الشحرورة على الفيسبوك
https://www.facebook.com/SabahTheSongbird
لينك صفحة الشحرورة على الفيسبوك
https://www.facebook.com/SabahTheSongbird