كتب . د. حامد محمد
كتير بنقع بوعي أو من غير وعي في الغلط السخيف ده : إننا نحبس كل أثر في العصر اللي اتبنى فيه و خلاص ، يعني نفضل شايفين مثلاً إن الأثر المملوكي ملوش أي علاقة غير بعصر المماليك ، زي مايكون اتجمد من ساعتها لغاية موصلنا بالسلامة ! ده بالظبط يشبه لما نتفرج على صورنا و احنا أطفال و نفتكر ان الصور دي بتعبرعننا دلوقتي , أهو الأماكن زي البني آدمين تمام .
كل سنة تعدي على المكان تغير شكله و تزود حكاياته و كل يوم يصبح بحال غير الحال , خد عندك “ جامع الحاكم بأمر الله ” مثلاً
شئ بائس جدا اننا نتعامل مع مكان عمره 1000 سنة بالحكايات المحفوظة اياها عن صلاح الدين الايوبي اللي قفل الازهر بالضبة و المفتاح و نقل صلاة الجمعة لجامع الحاكم ، أو ازاي اتحول لمخزن للاثار و لمصنع و مدرسة ، و أخيرا ازاي البهرة جددوه و مسخوه بالمنظر ده !
جامع الحاكم بأمر الله يبقى أكبر جامع داخل أسوار القاهرة و ده اللي خلاه مكان مناسب جداً للحكاية دي :
سنة 1347 م ” الطاعون وصل القاهرة و أسوأ كوابيس العصور الوسطى بدأت تتحقق و السلطان حسن ساب القاهرة و اعتكف في سرياقوس في القليوبية علشان يبقى بعيد عن المرض ، سرياقوس كانت شرم الشيخ بتاعت المماليك .
المؤرخين لما بيوصفوا الطاعون ، طريقتهم مبتختلفش كتير عن عادل امام في المشهد بتاع : ثم ماتت رابعة و مات المخرج و المنتج و الممثلون جميعا , الوباء كان عالمي من الصين لغاية أوروبا و قتل ملايين ملهمش أول من آخر .
في القاهرة بس كان بيموت الآلاف كل يوم ،أسر كاملة تموت ورا بعض في أيام معدودة ، شوارع و حارات تفضى تماماً و كانوا بيشيلوا كل اتنين ميتين أو تلاتة على نعش واحد و لو ملاقوش نعش يشيلوهم على سلم خشب أو باب قديم و يدفنوهم في مقابر جماعية ،آلاف الأفدنة ملقتش اللي يحصدها ، و فيه قرى مات كل اللي فيها و مفضلش حد عشان يدفنهم أصلاً فالكلاب أكلت الجثث !
البلد حالتها بقت عجيبة ، السلع بقت متوفرة و رخيصة و محدش بيشتغل ، و كل واحد بيفكر يا ترى هيعيش لغاية بكرة و لا لأ و مع ذلك كان فيه ناس عقليتهم استثمارية و سابوا أشغالهم الاصلية و عملوا كارير شيفت : اشتغلوا حانوتية و تربية و مقرئين و عملوا ثروات من ورا الموضوع ده في وقت قياسي , بس للأسف أغلبهم مات بالطاعون و ملحقوش يتهنوا بثرواتهم !
الناس بقت تجري ورا أي أمل أو أسطورة واحد في حلب ادعى إنه شاف النبي عليه الصلاة و السلام في المنام ، و الرسول قاله بلغ الناس يقولوا الدعاء ده و الطاعون هينتهي : “اللهم سكّن هيبة صدمة قهرمان الجبروت بألطافك النازلة الواردة من فيضان الملكوت..” !
و طبعاً لا القهرمان و لا غيره جاب نتيجة .
و انته داخل جامع الحاكم , انسى من فضلك حوار الروحانيات و الفوتو سيشنز و السهوكة الفارغة دي و افتكر و انته واقف على عتبة الباب و ان في نفس المكان ده من بتاع 600 سنة كده ، كان بيقف امام جامع الحاكم يصلي صلاة الجنازة على ضحايا الطاعون و قدامه التوابيت مترصصة على مدى الشوف ..من أول الباب و لغاية المحراب .