إعداد صوفيا زاده
ملكة الأحلام
علم تفسير الاحلام يشبه الأرض ، فيها السهل ، والصعب ، والدقيق ، والجليل ، والبعيد ، والقريب ، والواضح ، والغامض ، فالناس يتفاوتون فمنهم من يرقي الصعب ، ومنهم من يبقي في السهل ، وهناك من هو آخر منتهي علمه تتبع زلات العلماء ، والجدل ، (فسبحان من اختار قوم وأدناهم ، وازل قوم وأقصاهم )
لهذا لم تستوعب عقول بعض الناس فمن هنا يتضح أن علم تعبير الرؤى من جمله العلوم الدقيقة ، التي لا تتحملها بعض العقول ، ولاتستوعب دقائق مسائلها ، وقد أختص الله تعالي بعض خلقه بهذا العلم لحكمه يريدها وغاية يعلمها ( وربك يخلق ما يشاء ويختار)
وهذا العلم من جملة العلوم التي لم ينازع فيها الصحابة رضوان الله عليهم ، بل تعلموا ففهموا ما ورد من نصوص ، كما فهموا النصوص الأخري في بقيه العلوم
فتفسير المنامات قد اتسعت تقييداته ، وتشعبت تخصيصاته ، وتنوعت تعريفاته بحيث صار الإنسان لايقدر أن يعتمد فيه علي مجرد المنقولات لكثرة التخصيصات بأحوال الرائين بخلاف تفسير القرآن العظيم ، والتحدث في الفقه والكتاب والسنه وغير ذلك من العلوم ، فإن ضوابطها إما محصورة او قريبه من الحصر ، وعلم المنامات منتشر انتشارا شديدا لا يدخل تحت ضبط ، فلا جرم احتاج الناظر فيه مع ضوابطه وقرائنه إلي قوة من قوي النفوس المعينه علي الفراسة والاطلاع علي المغيبات ، بحيث إذا توجه الحرز الي شئ لايكاد يخطئ بسبب ما يخلقه الله تعالي في النفوس من القوة المعينه علي تقريب الغيب من وراء ستر رقيق ، إشارة إلي قوة أودعه الله إياها ، فرأي بما اودعه الله تعالي في نفسه من الصفاء والشفوف والرقه واللطافه ، فمن الناس من هو كذلك ، فقد يكون ذلك عاما علي جميع الأنواع ، وقد يهبه الله تعالي ذلك بإعتبار المنامات فقط
فيقول بن تيميه رحمه الله :
(أما الرؤيا وتأويلها فباب لاينضبط لأحد ، وقد يكون تأويلها لايشبهها إلا بوجه بعيد ، لايهتدي له إلا حذاق المعبرين)
ولدقه هذا العلم وخفي مدركه ، اتهم من برع فيه بأن له رئيا من الجن ، فهذا العلم منقول بالتواتر لاينكره إلا جاهل به ، وبمسائله وبعلمائه ، وبالكتب المصنفة فيه ، فالبعض يعترض علي علم التعبير بحجه اشتباهه بالكهانه ، وعند التأمل وجد أن هناك أسبابا لموقف هؤلاء منها :
الظاهرية في فهم النصوص ، أو عدم الاطلاع عليها اصلا ، بل أكثر من يعترض لم يقرأ كتاب التعبير ، مع شرحه من صحيح البخاري ، فضلا عن غيره
ثانيا طغيان العقلانية أثناء المناقشة ، وهذا لعدم وجود النص لجأ إلي العقل ويجادل بما لم يحط بعلمه ، ويخشي علي هؤلاء من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( ما ضل قوم بعد هدي كانوا عليه إلا أوتوا الجدل )
ثالثا أن بعض هؤلاء فسرت لهم رؤيا علي المكروه ، فأتخذوا موقفا من المعبرين ، وأخذوا يرمونهم بالتهم ، ونسي هؤلاء أن هذه نعمه من الله عليهم ليقلع من كان علي بدعه ، أو أنحراف ، فإن هذه بشري له ، ونذارة قبل حضور الأجل ، وفي الحديث الشريف ( أن من أكبر الذنوب عند الله أن يقال للعبد : اتق الله ، فيقول : عليك نفسك)