كتب/خطاب معوض خطاب
تاريخ مصر زاخر وحافل بصفحات مجيدة ناصعة ومضيئة، تنيرها بطولات أبناء مصر بجهادهم وتضحياتهم الكبيرة، ومن أمجد وأنصع وأكثر صفحات مصر المضيئة ما حدث يوم 3 مارس سنة 1799م، حين اجتمع أهالي قرية “البارود” الواقعة بمركز قفط بمحافظة قنا مع أهالي القرى المجاورة لها واتحدوا معا في الوقوف معا والتصدي لأسطول الحملة الفرنسية الذي حاول يومها دخول الصعيد، وهو اليوم الذي يحتفل به أهالي القرية بل وقنا كلها حتى اليوم وجعلوا منه يوما قوميا لقنا كلها، ففي هذا اليوم سطر أهالي قرية “البارود” اسم قريتهم في سجلات التاريخ حين تصدوا لأسطول الحملة الفرنسية بسفنه الكبيرة والمسلحة بأقوى أسلحة زمانها، وكان سلاح الأهالي عبارة عن العصي “النبابيت” والحلل وأغطيتها والمشاعل وبعض الآلات والأسلحة اليدوية التي استطاعوا حملها.
ما إن اقتربت سفن أسطول الحملة الفرنسية ورست على شاطئ قرية “البارود” حتى هاجمها الأهالي بأن قذفوها بما طالته أيديهم، وردت القوات الفرنسية بإطلاق النار عليهم فقتلوا عددا كبيرا من الأهالي، ولم يزد ما حدث للأهالي إلا شحذا لهمم ذويهم الذين تقافزوا إلى النيل وسبحوا تجاه السفن الفرنسية حتى تسلقوها رغم استهدافهم من قبل الجنود الفرنسيين لكن كل هذا لم يزهم إلا إصرارا على الوصول لما يريدون، وبالفعل اشتبك الأهالي مع الجنود الفرنسيين واستولوا على ما في السفن من أسلحة وذخيرة بعدما قتلوا العديد من جنود أسطول الحملة الفرنسية.
وكما ذكر الأستاذ “أحمد موسى عبد العظيم” في كتابيه: “النضال الشعبي لمحافظة قنا” و “تاريخ محافظة قنا من العصر الحجري إلى العصر الحديث” فإن الأهالي وصلوا إلى سفينة القائد الفرنسي “موراندي” وهجموا عليها واشتبكوا مع من فيها، فأسرع القائد “موراندي” بإشعال النيران في السفينة فانفجر البارود الموجود بها، وألقى القائد الفرنسي بنفسه في النيل فتعقبه الأهالي ولم يتركوه إلا قتيلا هو وجميع الجنود الفرنسيين، وهكذا تم القضاء على الأسطول الفرنسي الذي حاول اقتحام الصعيد واحتلاله، وبالفعل وكما قضت قرية “البارود” على أسطول الحملة الفرنسية حين حاول غزو الصعيد عن طريقها، فقد كانت سببا في فقدان الفرنسيين لتوازنهم، بل وصرفوا النظر عن محاولة احتلال الصعيد نهائيا بعدما حدث لهم هناك.