بقلم: أحمد مجدي
في سقف الغرفة التي امتلأت زواياها بالأتربة والمشاهد، وبين ظلام انعدام الضوء وظلام الأرواح….
ظلت تلك الغرفة مغلقة لسنين طالت وطالت الفوضى كل ما هو ظاهر منها، حتى ذلك الزجاج المكسور على الأرضية الخشبية التي أكلتها فئران النسيان.
تلك المِروحة البلاستيكية القديمة مُعلقةً في وسط الغرفة.
شاهدةً على صراعات وضحكات دارت وانتهت، ولا تزال أصداءها تتردد في المكان بين حينة وأخرى.
لم تعلم بأنه كان هناك أشجع من ذلك الطفل الذي كان يجعلها تعمل بأقصى سرعة لها ويجلس على السرير الذي يقابلها رأسًا ليصرخ ويستمع إلى صوته كآلي خرج توًا من أحد أفلامه الكرتونية.
لم تعلم أيضًا أنه كان هناك أجبن من تلك الصغيرة التي كانت تخاف قوتها إذا ما تعدت مستواها الأول وتتخيل مراتٍ ومرات أنها ستسقط عليها.
الآن ترى ذات الغريب الذي أطل برأسه من النافذة منذ يومين وذهب…
يدفع الباب الصدئة مفاصله ويرمي معطفه الثقيل في أحد الأركان غير عابئ باتساخه.
ستُدرك بعد قليل أسرار عدم اكتراثه على أي حال، بل وكل أسراره.
رمى جسده الساخن على طاولةٍ بجوار حائط الغرفة. الطاولة باردة كالجو العاصف خارجًا.
وقد كانت اعتادت دفئ الطعام الذي يتناوله عليها أصحابها القدامى.
ما أغرب اليوم عن البارحة.
خلع قميصه الذي أصابته البقع ورماه فوق المعطف الباكي في ركن العالم المُظلم.
أخرج علبةً كانت الملاذ الأخير للفافة التبغ المُعكر بكل ما وجده من مُذهبات العقل ملفوفةً بعنايةٍ فائقة قبل الاحتراق.
قَّبَّلَ قداحته الغالية وودعها بشعلة أخيرة، الدخان يملأ المكان، الدخان الأزرق المُضئ تحت ضوء الشارع المتسلل. المِروحة تختنق.
تَجَّول في المكان، أزاح السرير وأحضر كرسيًا ووقف فوقه ناظرًا نظرة طويلة إلي المِروحة التي تخشى الغرباء.
لم يكتفِ باختناقها من دخانه غريب الرائحة بل بدأ بلف عنقها بحبل سميك.
نزل عن كرسيه وأخرج ورقة بيضاء وقلمًا أحمر، بمَّ يُفكر ذلك الغريب!
كانت تترقب، تنتظر قراءة كلماته.
ترك الورقة مكانها، أطفأ سيجارته التي لفظت أنفاسها الأخيرة مع كلماته.
صعد مجددًا على الكرسي وتكلمت نظراته بدلًا عنه، أخبر المِروحة سرًا أنه حان وقت ارتباطهما بطرفي حبلٍ لن يُفرق بينهما سوى الموت.
أحكَّم التفاف الحبل حول عنقه كما إحكامه حول عنقها.
وفي لحظة كان قد دفع الكُرسي بعيدًا وأخذ في السقوط بسرعة فاقت سرعة المِروحة القُصوى.
هي رأته يثور، يتلوى، يُغرغر، يمِلْ، يهدأ، وهي رأته يصمت إلى الأبد.
نظرت في عجَّلٍ على الورقة؛
“الرسالة الأخيرة”
هكذا كَتَب بخطٍ عريض في منتصف الورقة، أسطر خمسة هي كل ما كتبه، وببداية كل سطرٍ اسم يرمز لشخص، تلاهم جملة مكررة.
“أحبك وأكرهك، وستفتقدني، وربما أفتقدك.”