بقلم/ فاطمة عبدالحميد
للأدباء والشعراء مكانة مرموقة منذ قديم الأزل، وذلك لأنهم أصحاب رأي وفكر وإبداع دونه القلم ليخلد ويبقى ويأخذ حقه في الرفض أو القبول من قبل الجماهير، حيث يختلف فكر وإبداع كل كاتب عن الآخر ويتعدد تقبل القراء أيضاً لتلك التدوينات كل حسب رغبته وميوله ووجهة نظره، وتختلف أقسام تلك الكتابات أيضا، فهناك من يعشق السياسة فتجد كتاباته في القسم السياسي دائماً وهناك من يحب الفلسفة، أو المنطق، أو الفن، أو الروايات الإجتماعية التي تجسد الواقع، أو الرومانسية بما تحمله من عاطفة ومشاعر وأحساسيس، لكن دائما ما تتخذ تلك الكتابات شكل معين لا يحبذ الخروج عن إطاره، فالجرأة الزائدة ينفر منها الناس بشكل كبير.
وتعددت تلك الأشكال والألوان من إبداعات الشعراء والكتاب العرب منذ العصر الجاهلي حيث وجود عصر الشعراء الفطاحلة الجاهليين والمخضرمين، واختلفت ألوان الشعر والنثر والكتابات بأنواعها، من مدح لهجاء لفخر لرثاء لغزل، وعن النوع الأخير فقد انقسم لديهم الغزل إلى قسمين، العفيف منه والصريح إلى أن جاء الإسلام فهذب العلاقات، ومنع المنكرات والمحرمات، ووضع حدود يلتزم بها أصحاب تلك الكتابات، ليتحول الغزل من صريح يصف كل معالم المحبوبة وصفا دقيقاً مثيرا للغرائز الجنسية لدى السامع والقارئ إلى غزل عفيف تغلفه روح الأدب والحياء، وإلى يومنا هذا بعد أن تطورت الكتابات وتطور الإبداع فلم يقتصر على الشعر والنثر فقط حيث أخذت القصص والروايات مكانة كبيرة لدى الأدباء والقراء أيضا، وخاصة إذا كانت تسرد أحداثها ضمن إطار المباح والمقبول.
إقرأ أيضا
ومن حينها تعد تلك الكتابات من شعر وروايات أدبية ذات الطابع الجنسي والجريئة في طرح ملابسات العملية الجنسية، من الأدب المحظور في البلدان العربية، على الرغم من وجود أمثلة متعددة في التراث العربي، وقد كتب فيه أعلام من الأدب العربي، كمثل الجاحظ والأصفهاني والنفزاوي والسيوطي وغيرهم.
إلا أنه وُجِدَ في العصر الحديث مَن يمتلك الشجاعة الكافية مِن الأدباء والأديبات العرب ليكتب الروايات الجنسية التي تعددت واختلفت ردود الأفعال لدى الجمهور عند استقبالها وانقسمت ما بين مؤيّد ورافض وإن كان الرفض هو المسيطر والغالب، كما تنوّعَت الآراء واختلف التأويل حول تلك الأعمال بالنقد الأدبي، فهناك من نظر لها على أنها تهدف إلى الإثارة والمتعة، وهناك من نظر لها على أنها رمزية أدبية ذات دلالات عميقة تمس الواقع الإجتماعي والسياسي.
_أسماء بعض الروايات الجنسية التي ذاع صيتها
1_ رواية “ألف ليلة وليلة”
تلك الرواية التي أثارت الجدل والبلبلة لدي الجميع، فهل هي عمل إباحي خليع أم تراث إنساني رفيع؟، ولكن يبدو أنها تضم من الإثارة الجنسية والإباحية ما يجعل إعراض ونفور الناس عنها ينتصر، فما زالت “ألف ليلة وليلة” تثير حفيظة كثيرين، وهكذا طالبت مجموعة من المحامين في مصر بسحبها من الأسواق وتنقيتها من الألفاظ الخليعة، فربما لم يتأثر القراء في أنحاء العالم بعمل من أدب الشرق مثلما تأثروا بحكايات “ألف ليلة وليلة”، فهناك عدد لا يحصى من كتاب العالم يعتبر “ألف ليلة وليلة” من أهم الكتب التي قرأوها وتأثروا بها؛ ومن هؤلاء الشاعر الألماني غوته الذي استلهم حكايات شهرزاد في عمله الروائي “فيلهلم مايستر” وكذلك الكاتب الفرنسي فولتير والأرجنتيني خورخي لويس بورخيس، غير أن “ألف ليلة وليلة” أثارت وما زالت تثير جدلاً كبيراً في الشرق بسبب العبارات والإيحاءات الجنسية الواردة فيها، وقد وصلت هذه الانتقادات حداً جعل البعض يعلن عداءه لهذا الكتاب نهائياً.
2_رواية “إيثاكا”
الكاتب: رؤوف مسعد
هذه الرواية الجريئة التي تمرد صاحبها على كل القيود التي حوله وسبح في عالم الحرية اللامحدود، حيث يسرد الكاتب في هذه الرواية جزءاً من سيرة حياة تلميذ صغير لم يلتزم بالكتابة على السطر، فخرج عن المعتاد والمألوف والذي كان يخرج عنه دوماً، هذا المتمرد الذي وصل بتمرده للخروج عن كل القواعد وامتد ليشمل كتابة تلك الرواية، التي لا يلتزم فيها ببنية متماسكة، بل يقفز فوق الأزمنة والأمكنة منتقلاً بشكل عشوائي بين ذكريات مختلفة ليقصّ سيرة تجاربه الجنسية ومغامراته، منذ كان حديثاً فيها غرّاً حتى أصبح خبيراً في أمور الجسد.
ليتطرق في روايته إلى تناول عددً كبير من الأمور الجنسية، مثل السادية والمازوشية والمثلية الجنسية والاستعراضية والتعلّق بالأقدام والجنس الجماعي، مبررا ذلك بأن تلك الأمور حقٌّ لكل إنسانٍ يبحث عن اللذة، لا انحرافات يجب محاربتها ومعالجتها، وبين المشاهد الجنسية الكثيرة التي تمتلئ بها الرواية، يحكي عن الاستبداد والقمع اللذين يتعرض لهما المثقفون، وعن مصادرة الحريات السياسية والاجتماعية والشخصية.
3_رواية “حب في السعودية”
الكاتب: إبراهيم بادي
يبدو أن تلك الرواية إتخذت شكلا مختلفا ليعبر الكاتب عن فكرته، حيث تتفرع إلى عدة روايات في رواية واحدة، تدور منها الأولى حول رجل يعاني من زوجته التي تسلبه راتبه الشهري، وهو يكتب رواية بعنوان “رجل وخمس نساء”، معتبراً أنها أجرأ ما كتب من روايات في السعودية.
والثانية منها تختلف عن الأولى أيضاً حيث تمتلئ بمشاهد إباحية، يمارس فيها البطل المسمى إيهاب الجنس مع عدة نساء، بين مطلقات وأرامل وفتيات راغبات في الجنس، متحولاً بعد تلك العلاقاتً إلى دونجوان لا يرتوي، إلى أن يلتقي إيهاب بفتاة تدعى فاطمة وينجذب إليها، لكنها تتركه وتدخل في علاقة مع شاب آخر، مما يدفعه إلى التخطيط للانتقام منها بكتابة رواية تفضح علاقتها به، مهدداً بإرسالها إلى كل شخص تقترب منه.
4_رواية “حرمة”
الكاتب: علي المقري
وتدور أحداث تلك الرواية حول البطلة التي لم يصرح الكاتب بإسمها وإنما اكتفى بلقب “حرمة” والتي بدأت الإثارة تتغلغل في جسدها منذ أن سمعت شريط الكاسيت الذي أحضرته شقيقتها لولا، والذي يسمى بشريط “السيكس البلدي” وعلى وقع كلمات الشريط، في مجتمع يفرض الكبت الجنسي على الفتيات، علّمتها أختها كيف تثير غريزتها، ومنذ تلك اللحظة أصيبت بطلة الرواية بالهوس الجنسي، مما سيدفعها إلى الزواج من أول رجل يتقدم إليها علّها تروي ظمأها، غير أنها تكتشف أن زوجها عاجز جنسياً وأن همّه محصور في محاربة الكفار.
فيصطحبها معه إلى أفغانستان، لتعيش جزءاً من مغامرتها هناك، قبل أن يلقى القبض عليها فتُسجن وتُطرد إلى اليمن، جارّةً وراءها رغبتها التي لم تنطفئ، ومصممةً على فعل أي شيء كي لا تظل بكراً.
5_رواية “برهان العسل”
الكاتبة: سلوى النعيمي
تعمل البطلة في هذه الرواية كأمينة مكتبة، تكتشف كم التحرر الجنسي في الكتب التراثية التي تنغمس في قراءتها، وفي الوقت نفسه تنشأ بينها وبين رجل تسميه “المفكر” علاقة جسدية، فتبدأ بتنفيذ كل ما تقرأه في تلك الكتب عمليا مع ذلك المفكرً، وتبدأ بشرح تلك العلاقة التي تدور بينهما تفصيليا وبجرأة شديدة.
وفي تلك الرواية تضع الكاتبة استشهادات كثيرة عن السيوطي والنفزاوي والتيفاشي، وغيرهم من علماء الإسلام الذين وضعوا مؤلفات كثيرة في مواضيع الجنس، ولعل أبرز ما يميز هذه الرواية الجريئة أن كاتبتها لا تخجل من ذكر الأعضاء الجنسية بمسمياتها الحقيقية، من دون الاختباء وراء الإشارات والتلميحات.
6_”الرواية الملعونة”
الكاتبة: أمل الجرّاح
تكتشف في بداية تلك الرواية أن البطلة مغرمة بوالدها، وتشتهيه جنسيا، فبطلة هذه الرواية شابة جامعية اسمها حنان، توفيت والدتها منذ سنتين، وأخواها متزوجان ويعيشان بعيداً عن منزل الأسرة، لذلك تعمل حنان على جعل والدها ينسى ذكرى والدتها، تخفي صورها من المنزل وتبدأ التصرف كزوجة ومدبّرة منزل، وتحاول بشتى الطرق إيقاعه في غرامها، تفسّر بعض تصرفاته على هذا الأساس، تعيش استيهاماتها وخيالاتها الجنسية معه، وتباشر بعلاقة جسدية معه.
*ملحوظة هامة*
يذكر أن أمل جرّاح هذه الرواية الجريئة عن حب محرّم بين ابنة ووالدها في ستينات القرن الماضي، تحت عنوان: “خدني بين ذراعيك”، وفازت بجائزة مجلة الحسناء، لكنها ترددت في نشرها، ولم تر الرواية النور إلا بعد وفاتها، فصدرت باسم الرواية الملعونة.
7. رواية “شارع إبليس”
الكاتب: أمين الزاوي
تدور أحداث تلك الرواية حول قائد ثوري يتزوج والدة إسحاق(بطل الرواية) بعد أن دبّر كميناً لزوجها أثناء الثورة الجزائرية، فيكبر إسحاق ويكبر في داخله الشعور بالانتقام تجاه هذا الرجل الذي حرمه والده، ويجد الفرصة المناسبة للانتقام من خلال زوجته الثانية زبيدة، الشابة الجميلة فيغريها وتستجيب له، ويعيشان علاقة ملتهبة. بعد ذلك تخبره زبيدة أنها حامل منه، فيقرر الفرار إلى دمشق حيث سيقيم في فندق تقيم فيه فتيات الهوى المغاربيات، ليعيش فصولاً أخرى من المتع الجسدية، تنتقل معه إلى بيروت التي يغادر إليها ليعمل مع شاب جزائري في “مؤسسة الرحمة والإيمان لحفظ الجثث”، فيمارس الجنس مع عشيقاته وظهره مسنود إلى برّاد حفظ الموتى، وفجأة تبدأ الأسرار بالانكشاف، وتتهاوى أمامه شخصية صديقه المتستر وراء بطولاته في حرب التحرير الجزائرية.
وفي الختام يبدو أن الحرية الزائدة في الرأي والتعبير وصلت بهؤلاء الكتاب إلى عدم مراعاة نشر تلك الأشياء التي تعمل على زيادة الانحلال والانحطاط في مجتمعاتنا العربية، ومن المثير جدا للدهشة أن تجد من تلك الأمثلة رواية “برهان العسل” التي كان محورها هو تقليد بطلة الرواية للمشاهد الجنسية التي تحتويها كتب التراث التي قرأتها، الا يجدر بنا هنا أن نتوقف برهة ونترك سؤالاً منطقياً لهؤلاء الكتاب، لما لم يخطر ببالكم أن تلك الرواية ستتحول إلى واقع ملموس مع تكرارها مئات المرات بين كل من يقرأ هذا النوع من تلك الكتابات؟، فهل كان الهدف فعلاً هو نشر الإثارة الجنسية دون التفكير في العواقب، أم أنه بالفعل واقع ملموس وما أنتم الا مجسدين له بتلك الروايات؟، أيا كان الجواب كل ما أعلمه الآن وأتيقن منه جيداً أن أجيالنا أجيال تقليد أعمى، فتلك الايحاءات والإثارات لم تتوقف على الروايات فقط بل انتشرت وتعمقت لأبعد من ذلك بكثير، حيث توجد في بيوتنا يومياً في كل ساعة على شاشات التليفزيون ما بين أغاني هابطة لأفلام تملؤها مشاهد السفه والإثارة لكلمات أقل ما يقال عنها أنها دون المستوى اللائق لأغاني تتردد في أذاننا كل حين سواء في المنزل أو الشارع أو حتى مكان العمل؛ إذا أردنا اﻻرتقاء بذلك المجتمع فعلينا أولا أن نوجه مثقفيه وننتقد إنتاجهم ونرفضه، وذلك لأن تلك الفئة وحدها قادرة على تغيير تفكير أجيال كاملة لفكرها.