شعر وحكاياتعام
زردة سيدي تليل
قصة قصيرة
لكاتبها حمد حاجي تونس
من عالم الانس الى عالم الجن..
رحلة !
أنا ولي صالح وحيّ في أوائل الخمسين, اقدم لكم حكايتي:
أنا حوجي بن تليل الماجني .. أتدروش بالزردة او على قول المريدين أصير بحال الدراويش ويتلبسني الجنُّ حين زيارة الولي الصالح بمزار السبع الرقود.. وترتعش عظامي ومفاصلي لسماع ضرب الدفوف والطبَّول وانطلاق الزغاريد.. وكثيرا ما أسيح مع خبب الأحصنة في مراكض الخيول..
أنا جننت ليس لأنني التصقت بجسد الفتاة التي تختلط بالناس ويعصرها جمع الرجال كالليمونة في زحمة (الزردة) بل لأني فقدت هاتفي الجوَّال بالزحام..
وربما جننت لأنني كالدراويش تصببت عرقا ..حين اختلط عرقي الساخن برائحة عطر تلك الفتاة .
انا الآن لا يهمنى ان تخيلتموني جنيا في صورة أسدٍ ذي عين واحدة وبلبدة من شعر الماعز أوأتحرك بسيقان ضأن..
ولن أستغرب أن تجتاحكم نوبات الضحك الهستيري الساذجة التي تتخيلونني بها,
فأنسوا من أكون, من أي جنس وأى اصل,
فقط شاركوني هاجسي فحسبي أن أشكركم لتفهمكم ..
وحتى أذهب عنكم رجس الفضول الذي أراه الآن في أعينكم فأنا كما الانسان تماما حينما يتمثل الجني البشر, فكثير من جوانب حياتنا وطبائعنا بشرية وأحاسيسنا نحن الجن, لا أظنكم تستنكرونها فنحن مثلكم تماماً نأكل ونشرب ونفيق وننام ونفرح ونحزن ونحن نتزوج وننجب و ..وأكثر نحب !
حين انتبهت وأنا بزحمة (الزردة ) أنني جننتُ..
على مقربة من معرض للكتاب المدرسي والأدبي.. ..
وجانب مربط الخيول، ببطحاء الزردة كان ينتصب الباعة ..بائعو البخور والحلوى والخضار والفواكه.. أتذوق أن تتعالى أصواتهم مداوِمة مدحا وأذكارا..
كنتُ مقرفصا، وعيناي تلتهمان المارَّة وسلطان فاكهة الصيف ..
بُقشِّر لي بائع التين الشوكي (الهندي) وكلما التهمت قطعة رمى القشور جانباغير عابئ بالسائرين.. متغنيا مادجا : (هندي تالة يا وكالة )
حتى اقتربت فتاة لها ضفيرة بذيل حصان متموجة ناعمة.. انزلقت بقشرة ملقاة مسكتها من ذراعها .. حين لامستها، تبدو ميسورة بمتع الدّنيا ومباهجها بالرغم من انها تضع مظلة من سعف الحلفاء التقليدية..فانها ترتدي تبانا من (الدجين) على طريقة المراهقين من جزر الهاواي.. ومريولا ابيض قصيرا تظهر سرتها من تحت ومن فوق يلمع سوتيانها الفرنسي الازرق..
تبدو قادمة من مراهقتي أكثر من كونها آتية من شارع من مدينة ما تحتفل بولي من زمن غابر..
دعوتها أن تشاركنا الأكلة…
ولكن بقي بي دهشتان:
كانت تحمل بيدها كتابا لإبراهيم درغوثي.. لم أتبين بعد عنوانه..
واندهشت من استدارة ثغرها الصغيرالذي زيَّنهُ أحمر الشّفاه حتى أنني خمنت انه يلوح كأعلام الدول الكبرى بمدينة الهونغ كونغ .. وحينما قرفصت ظهر جسمها البض ومن أعلى طرف التبان برز كلسونها غائما كضباب لندرة..
لقد كنت أسترق النظر إليها .. وحين تفطنت لنظراتي بادرت تقول :
قرأت للتو .. في “الدراويش يعودون إلى المنفى”.. أن مدينتكم عالم حافل بالخوارق..
وعجبت تأخذ القطعة دون ان تقشرها .. تأكل التين الشوكي بأشواكه .. وتلك لعمري من علامات الولاية والخوارق عندنا..
أكلت حتى شبعت .. وملأتُ عيني من جسدها حتى اشتهيتها..
وكدت أن أدعوها لمرافقتي لغرفتي .. لو لا أنها مسحت يديها من عسل التين بحفنة من تراب ..
ولمَّا أرادت ان تقف وأثقل معدتها ما أكلت وما التهمت .. سقط هاتفي المحمول من حمالة صدرها ..
رفعته عن الأرض.. وأخذت من يدها الكتاب أقايضها بالهاتف
وأجبتها متماهيا : بالفعل العالم حافل بالعلامات ..
و(الدراويش يعودون إلى المنفى)