كتب/خطاب معوض خطاب
“ابن القباقيبي” واحد من أبطال مصر المجهولين، نتذكره ونحن نحتفل بمئوية ثورة 1919 ونستعيد أحداثها وأبطالها، وفي العادة حينما يأتي ذكر ثورة 1919 تستدعي الذاكرة سعد زغلول باشا ورفاقه علي شعراوي باشا وعبد العزيز فهمى باشا وغيرهم من كبار أعضاء الوفد المصري، كما تستدعي الذاكره عبد الرحمن فهمي والنقراشي وأحمد ماهر وشقيقه علي ماهر وغيرهم من الذين كانوا من شباب هذه الثورة.
لكن “ابن القباقيبي” واحدا من المهمشين الذين يندر ذكرهم رغم أنهم أبطال هذه الثورة، وهم الذين ضحوا بأرواحهم في سبيلها، والحقيقة التي يعرفها الجميع أن ثورة 1919 بدأها الطلبة المصريون احتجاجا على اعتقال سعد زغلول باشا ورفاقه في الوفد المصري الذي كان سيشارك في مؤتمر باريس للسلام، ومع هؤلاء الطلبة ثار العمال والفلاحون والموظفون والمهمشون.
و”ابن القباقيبي” ذلك الفتى الصغير الذي كان سنه 12 سنة وقت الثورة، وهذا الفتى الصغير كان اسمه محمد اسماعيل وكان يسكن في شارع الركيبة التابع لقسم الخليفة وكان دكان أبيه صانع القباقيب في نفس الشارع، والقباقيب كما نعرف كانت تصنع من الخشب والجلد وكان يستخدمها الفقراء كحذاء بينما كان يستخدمها الأغنياء عند دخول الحمام.
وتبدأ الحكاية عندما تحول جامع الأزهر الشريف إلى ساحة من ساحات التظاهر أثناء ثورة 1919، وأرادت سلطات الاحتلال الإنجليزي أن تمنع المتظاهرين من الوصول إلى ساحة المسجد، فقاموا بإغلاق الطرق الموصلة إليه لمنع المصريين من التظاهر بعدما فشلت سلطات الاحتلال في إقناع الشيخ محمد أبو الفضل الجيزاوي شيخ الازهر بإغلاق الجامع، وعندها قرر المتظاهرون الذهاب إلى جامع أحمد بن طولون.
وفي يوم 5 أبريل 1919 قام الأهالي بحفر الخنادق ووضع المتاريس في الطرق والشوارع المؤدية إلى جامع ابن طولون، خاصه شارع الصليبة الذي يصل بين القلعة وجامع أحمد بن طولون.
وهنا يبدأ دور الصبي الصغير محمد إسماعيل “ابن القباقيبي” الذي ما إن شاهد المتظاهرين في طريقهم إلى جامع أحمد بن طولون إلا وترك دكان والده وخرج مع المتظاهرين، وشارك بيديه معهم في إقامة المتاريس والسواتر الترابية أمام سبيل أم عباس، وبمجرد أن علمت سلطات الاحتلال الإنجليزي بأمر المظاهرة أمرت جنودها بفض المظاهرة، فأطلقوا الرصاص على المتظاهرين بطريفة عشوائية، فكان نصيب الصبي الصغير محمد إسماعيل “ابن القباقيبي” رصاصة أصابته فأودت بحياته.
وفي اليوم التالي لاستشهاد الفتى الصغير قامت جموع كثيرة من المصريين بتشييع جثمانه، فقد تحرك موكب ضخم من جامع أحمد بن طولون إلى شارع الصليبة ومنه إلى مدافن الإمام الشافعي، وشارك في الجنازة جميع الطوائف من المصريين الوطنيين، قضاة ومستشارون ومحامون ومدرسون وموظفون وعمال وفلاحون ومهمشون.
أما سلطات الاحتلال الإنجليزي فقد أصدرت بيانا قالت فيه: “إن جمهورا معاديا هجم صباح أمس على دورية في حي السيده زينب، فاضطرت الدورية إلى إطلاق النيران، وقد قتل لسوء الحظ ولد في العاشرة أو الثانية عشرة من عمره كان بين الجماهير”.
وبعد أن انتهت أحداث الثورة تولى سعد زغلول باشا ورفاقه في الوفد المصري وكذلك شباب الثورة المشهورين العديد من المناصب العليا مثل رئاسة الوزراء ورئاسة مجلس النواب ومجلس الشيوخ وكان من أقلهم حظا الذين تولوا الوزارة، أما المهمشون الذين قاموا بالثورة وضحوا بأرواحهم من أجلها فقد نسيهم الناس، وأهمل ذكرهم التاريخ، رغم أنهم هم أبطال الثورة الحقيقيون.