اعتاد صاحبنا أن يستقل ترام الرمل الأزرق من محطة فيكتوريا إلى محطة الرمل بالإسكندرية في رحلة ممتعة بخط متوازي مع شاطئ
الإسكندرية الفيروزي , كان يفضل الركوب في الطابق العلوي ليرى بانوراما من
جمال العمارة بينما تداعب وجهه نسمات من هواء البحر المنعشة , تلك الرحلة التي تسافر به حيث تاريخ الإسكندرية العريقة ,
وبصمات تاريخ الإبداع البشري والحضاري لتلك المدينة الساحرة مدينة
الإسكندر الأكبر , حيث كانت ومازالت مقصداً للعلم والفكر والثقافة والإبداع .
ترام الرمل الأزرق له خصوصية ثقافية عجيبة , فهو ينقل طبقة راقية من طبقات المثقفين وأصحاب الياقات البيضاء والأجانب
والخواجات , كثيراً ما كان صاحبنا يستمع إلى حوارات بلغات مختلفة , بالطبع
منها اللغة الفرنسية , بل كان يشم عطور فرنسية الصنع في رحلاته المتعددة بين الذهاب والعودة .
يعتبر ترام الإسكندرية من أوائل وسائل المواصلات الجماعية في العالم وهو الأول في قارة إفريقيا بلا منازع , بدأ تشغيله عام
1860 بعد إن منحت الحكومة المصرية التاجر الإنجليزي السير / إدوارد
سان جون فيرمان حقوق امتياز مد خطوط حديدية بين الرمل والإسكندرية , وتم تأسيس شركة برأسمال 12000 جنيه مصري
ليبدأ المشروع في وضع أول خط حديدي للترام في منطقة مسلة كليوباترا
(( محطة الرمل حاليا ً ))
وفي يوم 8 يناير 1863 تم فتح أول خط للترام في عصر الخديوي إسماعيل من الإسكندرية إلى محطة بولكلي عن طريق سيدي
جابر , كان الترام عربة واحدة تجرها أربعة
أجياد , أعتنى الخديوي إسماعيل بمنطقة الرمل التي أقام فيها القصور الفاخرة , ومن المعروف أن الخديوي إسماعيل فرنسي الثقافة
حيث درس في باريس و درس الهندسة والرياضيات والعمارة الفرنسية
فضلاً عن إجادته للغة الفرنسية .
كان مع أزيز عجلات الترام يتنقل بين شعاب التاريخ المعماري الفرنسي في منطقة الرمل , في الوقت ذاته يتزامن هذا الأزيز مع
عجلات القطار في الجنوب الفرنسي الذي يستقله صاحبنا من مدينة
مارسيليا إلى ضاحية مونت كارلو التي تعلو فوق سطح الأرض في إمارة موناكو حيث الريفيرا الفرنسية الخلابة ……أجمل شواطئ
العالم وبالطبع للأثرياء فقط .
قد يشترك ترام الرمل مع قطار مونت كارلو في اللون الأزرق , وأيضاً هما متوازيان تقريباً في خط السير , كلاهما يجري على
ساحل المتوسط , قطار مونت كارلو يجري على بساط الريفيرا الفرنسية
في شمال المتوسط في أوروبا , و ترام الرمل يجري في جنوب المتوسط في الإسكندرية .
لم ينس صاحبنا حينما
استقل القطار السريع الذي يطير فوق القضبان
(( قطار ذات السرعة الفائقة ))
من محطة “باريس نورد” متجهاً لمدينة كان الفرنسية حيث قضاء عطلة الصيف في الجنوب الفرنسي
مدينة كان الفرنسية حيث يعقد مهرجان كان السنيمائي العالمي في تلك المدينة الساحرة .
كانت عجلات ترام الرمل تلتهم قضبان الحديد لعدد 38 محطة تبدأ من فيكتوريا وتمر بسان استيفانو وقصر الصفا وسابا باشا
وكليوباترا وكامب شيزار والجامعة وفي النهاية محطة الرمل
تلك المحطات كانت تبوح بقصص حب بين طلبة جامعة إسكندرية , تلك القصص ولدت على أرصفة محطات هذا الترام .
ومازال صفير القطار في الجنوب الفرنسي الذي ينطلق من مدينة سان رافائيل ثم مدينة كان ثم أنتيب ثم مطار نيس الذي يطل على
البحر ثم مدينة نيس وينتهي هذا القطار رحلته في محطة مونت كارلو
في إمارة موناكو.
كان صاحبنا يقرأ محاضرات دروس اللغة الفرنسية في ترام الرمل حالماً بين طرفي المتوسط في الإسكندرية وشواطئ الريفيرا الفرنسية .
عليه أن يتغلب على صعوبات اللغة الفرنسية ليحقق أحلامه ….!!
ماذا فعل ….؟
هذا ما سوف نعرفه في الحلقة المقبلة
انتظرونا دكتور / محمد حسن كامل رئيس اتحاد الكتاب والمثقفين العرب
زر الذهاب إلى الأعلى