لم تعد الصّورة تساوي ألف كلمة كما شاعَ عن المثل الصّيني المشهور، بلْ صارت بمليون كلمة إن لم تكن بملايين، من هُنا أخذت الصّورة دورًا أساسيًّا في تشكيل وعي الإنسان سلبًا وإيجابا، فهي حاضرةٌ في كلِّ شيءٍ مِن حولنا، لها تأثيرها الفعّال، حيثُ تضغط وتهيمن على المتلقّي، أو المُشاهد بصورةٍ تجعلها أداة تأثير، نجدها مثلًا عبر وسائل الإعلام، وفي السّوق، والشّارع، وفي قاعات العرض للأعمال الثّقافيّة والإنسانيّة، وفي ملاعب كرة القدم، والتّنس، والمصارعة، وأجهزة الكمبيوتر، وعبر شبكة الإنترنت، والفضائيات وأجهزة الهاتف المحمول، وفي صناعة النّجوم، والعروض الفنّيّة، والسّياسة..إلخ
ستسأل نفسك ما هو عنصر التّأثير هُنا؟
حسنًا، الّذي يكون بموضع التّأثّر والتّأثير هو “الإنسان بذاته” فبدونه ليسَ هُناك تفاعل، بمعنى أنّ إمبراطوريّة “سوشيال ميديا” مرهونة بمدى تفاعل الإنسان مع هذه الإمبراطوريّة، فالإنسان هو العنصرُ الأساسيُّ، ومِن دونه لن تحقّقَ هذه الوسائط وجودها المنشود.
الصّورة أصبحت مرتبطة ومُحاطة بكلِّ جوانب حياة الكائن البشري على نحوٍ لم يُسبق له مثيل، فهي تُقدِّم نفسها كمرجعية أولى وأخيرة لا تُقاس على سواها غالبًا.
يسألني سائل، هل الجميع قادر على التّحكّم بفنِّ التّصوير:
بحسب رأيي الشّخصي وتزامنًا مع تحديث الكاميرات وقدرتها على التّصوير، وتطوّر الإنترنت ومواقع التّواصل الاجتماعي الدّخيلة على الحضارة بإمكان الجميع التّحكم بفنّه الّذي بات أداة متعدّدة الأغراض.
ويسألني آخر: أتكمل الأحداث مِن دون صورة؟
بالطبع لا، الصّورة مواكبة وسريعة لأيِّ حدثٍ، وإن أيًّا منّا لا يملك المقدرة المذهلة سيبدو فقير الذّوق، وفاقدًا لجزء كبير من أهميته كإنسان؛ لذلك أصبح الحدث لا يكتمل إلّا مرفقًا بصورة موثّقة للموضوع المسلطِ الضوء عليه، فالصورة تعدُّ عنصرًا للإعلام والمعرفة.
وكما أن كان هُناك عصر الإعلام والتّكنولوجيا والاتّصالات، والمعلومات، هُناك أيضًا “عصر الصّورة” الّتي تفرض نفسها على كلِّ الأحداث، والأصعدة كافة، الأفكار الّتي نرغب بها بقوّة نحققها من خلال الصّور، الجميع مُحاط اليوم بالصّور كما قال “ريتشارد كيرني” وموجودة في كلِّ مكان وكأنّها تطارده.
إذن، باستطاعتنا بكلِّ سهولة أن نحصلَ على صور لكلِّ ما نرغب متى ما شئنا، وإنّ لحظةَ التّوثيق هي لحظةُ العين بامتياز، والحواس الأخرى قد هُزِمَت مقابل هذا المد البصري، وأنّها بكلِّ حيل التّأثير اكتسحَتْ كلَّ شيء، وغزتِ العقول والقلوب، ودخلَتْ إلى أعماق البصر والبصيرة دونَ رقيب.
ومن إيجابيات الصّورة أنّها تجعل من عين الكاميرا في صدارة المشهد المعرفي، والتّقني، والفنّي.
ومن سلبيات الصّورة أن المصوّر يستطيع من زاوية التّصوير أن يعطي انطباعًا عن ضخامة تجمّعٍ ما ” وهو في الواقع لا يتجاوز سوى أعداد صغيرة “، أو يلعب بتفاصيل أماكن جميلة، ويخرجها بصورة عكس ماهي عليه .
من هُنا تأتي مسؤولية الفرد في التّعاملِ معَ الصّورةِ بوعي، وفكِّ رموزها وحفظ نفسه من السّقوطِ في سلبياتها، لذلك يتطلّب من المُشاهد التّأمل عن كثب وبدقّة إلى ما توصّل إليه، فالصّورة ليست صادقة تمامًا، أو بالأحرى موضوعيّة تنتظر الكيفيّة الّتي تُستعمل بها، وأيّ مشهد تبقى له براءته من اللّحظة الّتي تؤطره إرادة واعية مُحدَّدة، فتُعطيه معناه أو العكس تمامًا.
خطر لي- وأنا أكتب هذا المقال- أن أسأل بعض الأصدقاء عن إحساسهم، وشعورهم تجاه الصّور الّتي تظهر أمامهم على “سوشيال ميديا”،
فكانت إجابة الكاتب الصاعد علي أحمد كالتالي” أوّلًا أنبهر من شدّة إعجابي بالصورة، وأنظر إلى اسم المصوّر لأرى من يكون، وفي حال أعجبتني الصورة جدًّا أترك تعليقًا على المنشور وأشكر صاحبه وأحتفظ بها في ملف الصور، وباعتقادي الشّخصي يجب أن يكرم هؤلاء من قِبل جهة ما، وفي بعض الأحيان أدعو لصاحب الصورة إن كانت تحكي معاني قويّة.
أمّا المُذهلة ستيري علي أجابت من منظورها:
مالا تستطيع الكلمات شرحها تشرحها الصّورة الجميلة الّتي لا يستغرق التقاطها ثانيتين، ولهذا يُقال عن العيون بأنّها مفتاح الحياة ومفتاح الجنّة، فلا نستطيع رؤية الجمال المكنون بالصّور لولا فتحة الحياة ألا وهي العيون.
الصّديقة المُبدعة نعيمة حمزة : يكون شعوري حسب طبيعة الصورة وخاصة إذا كانت الصّورة فيها شي يخص الواقع الّذي أعيشه، يكن تأثيرها أعمق وأشد.
الصّديق والأخ معمر اليحي ، قال: هي غالبًا تكون قريبة مني، تشبهني فأحسُّ أنّها أُرسلت إليّ من جهة مجهولة لتُقاسمَني ترحي، وتُشاركَني فرحي.
الصّديقة الرّائعة جيهان محمد، ترى أنّ الصّورةَ الجميلة ترسم على شفاهها البسمة، وتأخذها إلى عالمِها الّتي تحُب، وأنّ كلّ صورة أخذت نصيبها من قلبها بما يكفي، بطريقة ما.
الأخ والصّديق والنّاقد الصّاعدأحمد هولا ، قال: هو إحساس بالسّعادة والمتعة، حيثُ أنّي وجدت شيئًا يلامسُ روحي ويسرُّ قلبي ويمتّعُ ناظري، غالبًا ما تكون هذه الصّورة مشبعة بالتّفاصيل الظّاهرة والخفيّة، فهي إطارٌ من الجمال.
الأخ والكاتب الصّاعد خليفة_السلطان، يقول إحساسه، وشعوره: إنّ الصورة هي أشبه بالموسيقى، ولكلّ صورة ترانيم وأجراس وأنغام خاصّة تطهّر النّفس البشريّة بموسيقى الأمل.
أمّا الأستاذة ربا_هابيل، جاءت بما يلي: إنّها تختلف من مُحترف التقطها أو هاوٍ، أو ممكن أن تكون تابعة لمؤسّسة ما أو جهة سياسيّة ما، لكنْ بالعموم ما يجمع الصّور بغض النّظر عن ملتقطها أن تحتوي على رسالة سواء إنسانيّة، أو توثيقيّة، أو جمالية…إلخ
الأخت والصّديقة، والكاتبة الصّاعدة لينة_فرّان، الصّور هي قوارب الحُزن مهما كانت الصّورة المُلتقطة جميلة وسعيدة، لكنّها ستصيبك بالأسف في يومٍ ما فقط لأنّها مضت، الصّور هي حافظة أيامنا وأوقاتنا، نتمنّى كثيرًا لو نستطيع العودة إليها، لا رؤيتها، وهي جامدة فقط.
الشّاعر الصّاعد صاحب الكلمات العذبة حاتم_البيريني، جاء بما يلي: رُبّما كانت العين هي الأداة الّتي تتربّع عرش الميغابكسل بالعدد الضخم الذي تمتلكه، لكنّها اليوم وسط هذا التّطور نراها تنظر للصورة بدهشةٍ كبيرة، وتأمّلٍ هادئ في انتظار أن يصل التّطور إلى منافستها، ولا أظن ذلك، فذاكرة الإنسان الّتي تخزن فيها العين أضخم بكثير، وأسرع من عجلة التّكنولوجيا.
الرّوائيّة الجميلة ديانا_صهيوني، تبرز أهميّة الصّورة من خلال عامل الجذب السّريع في زمن السّرعة حيثُ لا زمن، ولا وقت؛ لذلك نرى ونشهد تطوّرًا ملحوظًا في الأعوام الأخيرة في فنِّ التصوير وانتشار دورات، واهتمام أكثر بموهبة التّصوير، وتعليم فن التّصوير، فنحن في زمن فرضت الصورة ذاتها كعامل جذب أساسي يقوم على جذب انتباه المتابعين كوسيلة لترويج الجمال، أو الأفكار، فهي أكثر لفتًا للنظر.
وأخيرًا، الصّديقة الّرائعة هيفين_شيخو، تقول: إنّ الصّورةَ هي القدرة على إيقافِ الزّمن في وقتٍ جميل، وليس كلّ شخص جدير باغتنام هذه اللّحظة، إنّه الإبداعُ بذاتهِ، ورؤيةٌ ساحرة، فالمصوّر قادرٌ على استخراج الشّيء من اللّاشيء، والتّعمق في روحها ومعرفة مكنونها، رُبّما لا يبدو للناظر العادي إدراكه، باختصار، الصّورة هي محاكاةُ الواقع ومرآة له، وقد عبّر أجدادنا القدماء عن أفكارهم وآراهم من خلال الرّمز والصّور. بعد ذلك كلّه، نستطيع القول إنّ حركةَ التّاريخ الرّاهنة أثبتت أنّ التّلاعب بالصّورة يُمثّل أخطر أنواع الحركات التّقنيّة في العقول والأفكار لذا وجب علينا اكتساب وعي واضح بما يشاهَد وبما يضخّ أمام الأعين، كما يفترض أيضًا على الذين يتعاملون مع مادة الصّورة، أن يناضلوا من أجل ألاّ تتحوّل من أداة رائعة للديمقراطية، إلى أداة للتلاعب بالعقول والأفكار، وتشكيل وعي مغلوط واصطناعي مزيّف، لا يمتّ للحقائق والواقع بصلة، من خلال إخضاع الصّورة إلى عمليات التّصنيع، والتّشويه والتّحريف، وسيطرة الافتراض على الواقع.
بقلم المبدعة مزكين علي
زر الذهاب إلى الأعلى