الحلقة 23 : اغتيال السادات 6 أكتوبر 1981
د.محمد حسن كامل
رئيس اتحاد الكتاب والمثقفين العرب
حادث المنصة واغتيال السادات
6 أكتوبر 1981
استقل صاحبنا المترو الذي ينساب في أحشاء باريس برشاقة وأناقة قاصداً إحدى المكتبات الكبرى لعله يفوز برواية البؤساء التي قرأ منها فصولاً أثناء دراسته للفرنسية في المركز الثقافي في الإسكندرية .
البؤساء للروائي الأديب (( فيكتور هوجو )) نُشرت في عام 1862 وتعد من أشهر روايات القرن التاسع عشر , وهي تعد نقداً لاذعاً للظلم الإجتماعي الذي عانت منه فرنسا بين سقوط نابليون 1815 والثورة ضد الملك لويس فيليب 1832، البؤساء تعكس الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتقدم شهادة على العصر في تلك الحقبة التاريخية في فرنسا التي بدات عصر التنوير الأوروبي في العالم ، في الوقت الذي سعت فيه مصر للبحث عن النهضة وبناء مصر الحديثة من بداية عصر محمد علي باشا مؤسس مصر الحديثة .
كان المترو يلتهم الطريق نحو محطة (( سان ميشيل )) حيث منابع الثقافة والفكر والفن والإبداع ولاسيما مكتبات الكتب المستعملة الزهيدة الثمن ، لقد مارس صاحبنا هوايته القديمة حينما كان يلتقط الكتب المستعملة من على أرصفة شارع النبي دنيال بالإسكندرية .
كل الأمور على مايرام ، الشوراع مزدحمة , والمكتبات مكتظة بالزوار من مختلف الأعمار .
وفجأة سمع ضجيجاً وكلمة واحدة فقط (( السادات )) هرع إلى مقهى ملاصق للمكتبة ..المقهى مزدحم والأنظار شاحصة لشاشة التليفزيون ..قطع التليفزيون الفرنسي برامجه الصباحية وإنتقل على الفور إلى ساحة العرض العسكري ليلتقط اللحظات الأخيرة في عمر الرئيس الراحل أنور السادات بعد اغتياله في حادث المنصة ، لقد رأى علامات الحزن والأسى والدموع تنهمر من عيون الفرنسيين الذين بكوا السادات بطل الحرب والسلام ، لقد بث التليفزيون الفرنسي مقاطع للرئيس الراحل وهو يُعلن عن رغبته للسفر إلى إسرائيل للتفاوض على السلام من منطق القوة ، بينما أعلن الرئيس الفرنسي فرنسواه ميتران حزنه الشديد , بينما اصدر الإليزيه بياناً ينعي فيه السادات وتقديم واجب العزاء للشعب المصري ، بينما فتحت السفارة المصرية في باريس ابوابها لتلقي العزاء ونكست الاعلام على كافة المكاتب التابعة للسفارة .
وتقول الموسوعات العلمية عن الحادث :
بدأ العرض العسكري في 6 أكتوبر 1981م الساعة 11 وجلس الرئيس السادات وإلى يمينه نائبه محمد حسني مبارك، ثم الوزير العُماني شبيب بن تيمور مبعوث السلطان قابوس، وإلى يساره المشير عبد الحليم أبو غزالة وزير الدفاع ثم سيد مرعي، ثم عبد الرحمن بيصار شيخ الأزهر في ذلك الوقت. كان الحاضرون يستمتعون بمشاهدة العرض، خصوصاً طائرات “الفانتوم” وهي تمارس ألعاباً بهلوانية في السماء، ثم انطلق صوت المذيع الداخلي “الآن تجيئ المدفعية”. وتقدم قائد طابور المدفعية لتحية المنصة، وحوله عدد من راكبي الدراجات النارية، وفجأة توقفت إحدى الدّراجات بعد أن أصيبت بعطل مفاجئ، ونزل قائدها وراح يدفعها أمامه، لكن سرعان ما انزلقت قدَمه، ووقع على الأرض، والدّراجة فوقه فتدخّل جندي كان واقفاً إلى جوار المنصة، وأسعفه بقليل من الماء.
كل هذا حدث أمام الرئيس والجمع المحيط به، وأسهمت تشكيلات الفانتوم وألعابها في صرف نظر الحاضرين واهتمامهم، لذا عندما توقفت سيارة خالد الإسلامبولي، فيما بعد ظُنَّ أنها تعطّلت، كما تعطّلت الدّراجة النارية. في تمام الثانية عشرة وعشرين دقيقة، كانت سيارة الإسلامبولي، وهي تجرّ المدفع الكوري الصنع عيار 130مم، وقد أصبحت أمام المنصة تماماً، وفي لحظات وقف القناص (حسين عباس)، وأطلق دفعة من الطلقات، استقرت في عنق السادات، بينما صرخ خالد الإسلامبولي بالسائق يأمره بالتوقف، ونزل مسرعاً من السيارة، وألقى قنبلة ثم عاد وأخذ رشاش السائق وطار مسرعاً إلى المنصة. كان السادات قد نهض واقفاً بعد إصابته في عنقه وهو يصرخ، بينما اختفى جميع الحضور أسفل كراسيهم. وتحت ستار الدخان، وجّه الإسلامبولي دفعة طلقات جديدة إلى صدر السادات، في الوقت الذي ألقى فيه كل من عطا طايل بقنبلة ثانية، لم تصل إلى المنصة، ولم تنفجر، وعبدالحميد بقنبلة ثالثة نسي أن ينزع فتيلها فوصلت إلى الصف الأول ولم تنفجر هي الآخرى. بعدها قفز الثلاثة وهم يصوّبون نيرانهم نحو الرئيس. وكانوا يلتصقون بالمنصة يمطرونه بالرصاص. سقط السادات على وجهه مضرجاً في دمائه، بينما كان سكرتيره الخاص فوزي عبد الحافظ يحاول حمايته برفع كرسي ليقيه وابل الرصاص، فيما كان أقرب ضباط الحرس الجمهوري، عميد يدعى (أحمد سرحان)، يصرخ بهستيريا “إنزل على الأرض يا سيادة الرئيس”، لكن صياحه جاء بعد فوات الأوان. صعد عبدالحميد سلم المنصة من اليسار، وتوجّه إلى حيث ارتمى السادات، ورَكَله بقدَمه، ثم طعنه بالسونكي، وأطلق عليه دفعة جديدة من الطلقات، فيما ارتفع صوت الأسلامبولي يؤكد أنهم لا يقصدون أحداً إلا السادات. بعدها انطلقوا يركضون عشوائياً، تطاردهم عناصر الأمن المختلفة، وهي تطلق النيران.
كان السادات يقف قبل دقائق من اغتياله وبجانبه محمد حسني مبارك و عبد الحليم أبو غزالة
لم يكن السادات هو الضحية الوحيد للحادث فقد سقط سبعة آخرون هم:
اللواء أركان حرب حسن علام.
خلفان ناصر محمد (من الوفد العماني).
المهندس سمير حلمي إبراهيم.
الأنبا صموئيل.
محمد يوسف رشوان (المصور الخاص بالرئيس).
سعيد عبد الرؤوف بكر.
شانج لوي (صيني الجنسية)
لم يكد يمضى صاحبنا شهره الأول في باريس وقد أصيب بنوبة بكاء وحزن على السادات بطل الحرب والسلام .
ويتذكر صاحبنا لا حقاً حينما كرّمته الأمم المتحدة سفيراً للسلام العالمي في اليونسكو بباريس , طالب الحضور بالوقوف دقيقة حداد على روح الرئيس الراحل أنو السادات .
مات السادات رحمه الله ليولد يوم وفاته عصراً جديداً من عصور الإسلاموفوبيا في فرنسا لينتقل إلى كل ربوع أوروبا .. ماذا عن الإسلاموفوبيا ؟
هذا ما سوف نعرفه في الحلقات القادمة …..تابعونا .
دكتور / محمد حسن كامل
رئيس اتحاد الكتاب والمثقفين
العرب