بقلم : بسام وريمي من تونس
إذا كان صحيحاً إننا لا نعيش إلا جزءاً صغيراً مما يعتمل ( يثار ) في داخلنا، إذن ما مصير بقية الأجزاء؟
سؤال مهمل من بين كثير من الأسئلة
لقد شاهدت الفيلم .. وعرفت القصة، وتحمست حينها أكثر لقراءة الرواية رغم تحفظي علي الأفكار الدينية التي وردت في الفيلم، ورغم رفضي لبعض العبارات التي وردت في الرواية، إلا أنني حقا قد عشت لحظات رائعة في نفسي لا علاقة لها إطلاقا بالناحية الدينية
بل أفكار فلسفية بسيطة، حول الحياة، والناس، والأصدقاء
فالتساؤلات لا تنتهي .. والإجابات قد لا تأتي
” بين ما يقوله الآخرون عنا، وما نقوله نحن عن أنفسنا، أيهما أقرب إلي الحقيقة ؟
هل من البديهي أن تكون حكاياتنا هي الأقرب؟ هل نحن في حد ذاتها سلطة ؟
هل صحيح أن جزءاً كبيراً من أفعالنا يحكمه خوف من الوحدة؟ ألهذا السبب نتخلي عن كل الأشياء التي سنندم عليها في نهاية حياتنا؟
ألهذا السبب بالذات لا نقول ما نفكر فيه إلا نادراً؟
وإلا لماذا نحن متعلقون بهذه الزيجات المفككة، بهذه الصداقات الزائفة، بحفلات أعياد الميلاد المملة ؟
ما الذي سيحدث لو تخلينا عن كل هذا، وقررنا تقبل ذواتنا ؟
الخطر يكمن في أن العلاقات ليست حقيقية وحية، إذ تنقصها الجدية الخاطفة التي تفترض ضرباً من غياب المسافة أيضاً
…
نحن نصحح مسار علاقاتنا بالآخرين حين نتذكر الموت، نضع حدا لعداوة ما، نعتذر عن خطأ اقترفناه، نعترف بجميل لم نكن مُهيئين له بسبب تقصير منا، نستخف بأشياء غالينا في الاهتمام بها من قبل
أسرتني المناظر الطبيعية لأحياء برشلونة القديمة
والمقاهي القديمة .. والبحر .. والسفن
الصبر علي الأحداث .. والغموض في البداية زاد من سحر الرواية
خُيل إليه أنه كان يخرج من صورته القديمة وكأنه يخرج من لوحة زيتية معلقة علي حائط أحد المتاحف في جناح جانبي منسي، إنهم لا يعلمون شيئا عن المسافة الهائلة التي قطعها داخل نفسه في أقل من ثمان وأربعين ساعة
..
سار ببطء نحو الجسر، وعندما تراءي له الجسر من بعيد انتابه شعور غريب اقرب إلي الحيرة منه إلي الإحساس بالتحرر، هاهو في السابعة والخمسين من عمره، ولأول مرة سيذهب لاستعادة حياته
فكرة أن تترك كل شئ خلفك فجأة، وتغادر في رحلة مفاجئة .. لا تأخذ معطفك .. أو أموالك .. أو حقيبة ملابسك
فقط تغادر .. تغلق النور خلفك وترحل وراء كتاب أسرتك أفكاره، لتعرف قصة مؤلفه، وسيرة حياته، وكيف كتب هذا الكتاب الذي لامس روحك في مصادفة قدرية عجيبة
فأنت هنا تقطع تذكرتك الخاصة وتركب القطار إلي بلد لا تعرفه، ولا يعرفك .. في مغامرة تُعيد بها ماضٍ لا يعنيك في شئ سوي أنه قد جعلك تري العالم بصورة مختلفة .. بعيون جديدة .. حتي حياتك، أصبحت تقيمها بصورة مختلفة
فهل عشتها بالفعل كما يجب ؟ أم بدأت تعيشها حين قطعت تذكرة القطار ؟
الأمر يتعلق بقدرتي الأن في هذه النقطة من حياتي علي إتخاذ وجهة مختلفة تماما عن تلك التي جعلت مني ما أنا عليه اليوم، أنا الذي لست إلا أنا بسبب تحقق أمنيات لم تكن لي! إنني الان شخص آخر
كلمات أمرت ابراهيم أن يذبح فلذة كبده كما تذبح الشاة، ماذا سنفعل بكل الغضب العارم الذي يجتاحنا و نحن نقرأ مثل هذه الكلمات؟ ما هو موقفنا من إله كهذا؟ إله يلوم أيوب لأنه خاصمه في حين أن أيوب لا حول له و لا قوة. من خلقه على هذه الشاكلة إذن ؟
و لماذا لا يعد ظلما حين يلقي الله بعبد في الشقاء دونما سبب، في حين لا يكون من العدل أن يفعل ذلك بشر عادي؟
باسكال مرسييه ” روائي سويسري “
– رواية قطار الليل إلى لشبونة لكل منا قطاره الخاص ..
والسؤال .. هل قطعنا التذكرة .. أم لا ؟
زر الذهاب إلى الأعلى