بقلم الكاتب والناقد /سليم النجار
متابعة:لطيفة القاضي
تعد العتبات النصية مبحثا مهما من مباحث القصة القصيرة جدا المعاصرة في مجال السرد القصصي ؛ حيث تواترت جهود كبار المنظّرين والنقاّد الفرنسيين على سبيل المثال ؛ من أمثال ليوهوك وجيرار جينيت وهنري ميتيران وغيرهم من الباحثين والنقّاد ؛ الذين سعوا إلى ضبط حدودها النظرية ؛ وبلورة صور علاقتها بالنص القصصي من جهة وبالقارئ من جهة ثانية ؛ وإبراز مختلف الوظائف الإشهارية ؛ والتفسيرية والرمزّية ؛ التي تطلع بها؛ خدمة للنص القصصي في بعديه الجمالي والدلالي ٠
وهذا ما جعل القاصة والناقدة ذكريات حرب في كتابها ” القصة القصيرة جدًّا في الأردن – الرؤية ؛ البنية ؛ وتقنيات السرد ” الصادر من دار فضاءات – عمّان حديثاً ؛ تدرك العتبات ؛ ذلك أن العتبات تبرمج نموذج القراءة وسلوك القارئ ( لم يكن للقصة قبل العصر الحديث شأن يذكر في الجزيرة العربية ؛ وهذا يعود لطبيعة البيئة والترحال الذي أعتاد العرب عليه بحثًا عن الماء والكلأ من جهة ؛ ولانشغالهم بالشعر الأقرب إلى ذاكرتهم للحفظ ؛ وتمايزه عن الفنون الأدبية الأخرى بالإيقاع من جهة أخرى ص١٦) ٠
فقراءة الافتتاحية أو العنوان على سبيل المثال لا يمكن أن تنتج فهما تاما بأي حال من الأحوال بل تنتج لدى القارئ على الأصح توقعا احتماليا ما ؛ خاصة إذا ما قرأ المبحث الأول الذي حمل عنوان ( القصة القصيرة جدّا في الأردن ) ؛ فالناقدة ذكريات حرب في هذا الفصل حملتنا إلى رؤية جديدة اتجاه القصة القصيرة جدا في الأردن ؛ في فتح مستقبل للفنون البصرية التي تبدأ بتشكيل ظواهر سردية وصورية التي تحدد وظائف جديدة للغة البصرية ؛ ( الحدث القصصي ؛ هو الفعل الذي تقوم به الشخصية داخل القصة ؛ ويتنامى وفق رؤية القاص ؛ بشرط أن يكون متوترًا لا ساكنا ؛ متحركًا لا جامدًا ص٨١) ٠
تمثلت ذكريات حرب في توجهها إلى قارئ / قارئة ومتلّقي نصها ؛ نحو نموذج محدّد من القراءة ؛ يتمايز عن غيره من النماذج – وهنا القصة القصيرة جدًا ؛ حيث تصدرت عبارة ( أبعاد الشخصية وتداعياتها في القصة القصيرة جدًا ) ؛ وهو الجنس الأدبي ؛ الذي تتماس فيه الحدود بين الميثاقين التخييلي / القصة القصيرة / القصة القصيرة جدًا / المرجعي / الواقعي ؛ إلى حد الالتباس ؛ ( ثمة طرق متعددة لأبعاد الشخصية في القصة القصيرة جدًا ؛ فقد يلجأ بعض القاصين للوصف الخارجي ؛ وأخرون للوصف الداخلي ؛ لكن بكلتا الحالتين بفترض من القاص أن يبني الشخصية بدقة ص١٠٥ )٠
اما في فصلها الثاني ذكريات حرب ؛ الذي حمل عنوان ” القصة القصيرة جدًا رؤية نقدية ” ؛ ولّما كان شأن الآفاق أن تتسع فعلينا أن نتملّك حسًا مرهفا جدّا بانزياحات عدة : من ” هو ” نحوي إلى “هو منطقي ” إلى ” هو هو ” أنطولوجية في الرؤية النقدية للقصة القصيرة جدًا كما فعلت الناقدة ذكريات حرب ؛ ( إن بعض الآراء التي ذكرناها في أركان القصة القصيرة جدًا وتقنياتها لم تخرج بالأصل من أركان القصة الأم وتقنياتها ص٨١ ) ٠
وقد ينبغي علينا ونحن نتتبع سؤال ( ذكريات حرب ) عن إمكانية وجود فلسفة قصصية قصيرة جدًا عربية معاصرة ؛ أن نقرّ أنه ليس محض سؤال ؛ إنما هي لحظة في اشتباك بقدرة ذكريات حرب في رصد الرؤية المتجددة إتجاه هذا الفن الجديد بالمقياس الزمني ؛ ( لا تستقيم القصة دون شخصياتها ؛ وإذا كانت الشخصيات بأبعادها الجسدية والنفسية والإجتماعية متعددة في الروايات والقصص ؛ فإنَّ القصة القصيرة جدًا تكتفي بواحدة مأزومة في مشهد ما ص٩٢ ) ٠
وتواصل الناقدة ذكريات حرب جهدها في هذا الكتاب القيم ؛ في فصلها الثالث الذي أضاف بُعداً رؤيويا في عنوانه ” الدراسات النقدية في القصة القصيرة جدًا ” ؛ ربما يأتي هذا الفصل ” استجوابا تأمليا ” كما يُعبّر ميلان كونديرا ؛ وكمياء حلم الروح الجريحة بنبال الواقع المرير ؛ ( يُعد النقد الوجه الأخر للكتابة الأدبية التي يحاول الناقد سبر أغوار الإيداع فيها ؛ مُتحسسًا مواطن الجمال ٠ باحثًا عن المعاني المضمرة ص١٩٧) ٠
وأنّ الناقدة ذكريات ستكشفها للوجود ؛ لكنّها تصغي للتاريخ وحلكة لياليه ؛ لكنها تفضح كلّ ما يدورُ في دهاليزه المعتمة ٠٠٠ وتنبش بزهوِ ونقش معاً في تربة الواقع القصصي للقصة القصيرة جدًا ؛ ( ونعزو قلة الدراسات النقدية في هذا الفن القصصي القصير جدّا إلى الكم الهائل الذي يخرج علينا كل يوم من هذه الكتابات؛ لا سيما في ظلّ العوالم التكنولوجية التي أصبحت متاحة للجميع بلا استثناء ص٢٠٤ ) ٠
جاء كتاب ( القصة القصيرة في الأردن – الرؤية ؛ البنية ؛ وتقنيات السرد ) جريئا وقوي البنية والبناء ؛ متماسك العبارات والجمل والرؤى ؛ وتلقائية التناول والمعالجة ؛ حاولنا في هذه القراءة أن نعرض لمظاهر حضور ما تناولته الناقدة ذكريات حرب في كتابها عن القصة القصيرة جدًا ؛ بوصفها مجموعة من السمات الخاصة بالكتابة القصصية ؛ وأن تفحص تجلَّيات هذا الحضور وهو ينسرب ضمن النسيج السردي المخصوص بالقصة القصيرة جدًا باعتبارها نوعا سرديّا مستقلاً ومميّزا ٠
زر الذهاب إلى الأعلى