طالما تخط بالقلم فضع بذهنك أنك لاحقًا ستنتقد ما كتبت حتمًا بالرغم من أن ما كنت عليه في المرة الأولى على صواب وضمير غير مصاب ، وأيضًا في المرة الثانية والتي قد تمتد إلى مرات فيما بعد تظن أنك على صواب وضمير غير مصاب . لا عليك سوى أن : تثق أنك تسير بهدف ورسالة تتم معناها كما ينصحك الشاعر والرسام اللبناني جبران خليل جبران “نصف ما أقوله لك لا معنى له ، ولكنني أقوله ليتم معنى النصف الآخر ” قالها إعلانًا منه أنه لم يترك نبضاته بالحياة وإن تركت روحه الجسد .
لا ، لا .. لا أقول لك/ لكِ كــ صباح الشحرورة : ” غريييييبة وغرييييبة .. نفس اللي بيفرحني ما يفرحني ، وغريبة .. نفس اللي بيريحني ما يريحني ” ولكن أقول بقول د. على الوردي بكتابه مهزلة العقل البشري: ” لا يكفي في الفكرة أن تكون صحيحة بحد ذاتها . الأحرى بها أن تكون عملية ممكنة التطبيق” .
يسعدني أن أحكي لكم قصة قصيرة على هامش موضوعنا : في بدايات المرحلة الابْتدائيّة أتذكر موقفًا إلى الآن : أرادت أستاذتنا الفاضلة (نورة) اختبار كل من خرج من الفصل وقت الحصة ليشرب ،وحضرتها تشرح :
– وضعت الأستاذة كرسي مقلوب قرب مدخل الفصل ؛ لتختبر تصرف كل تلميذ/ة يدخل .
– كنت ضمن من قام بتحريك الكرسي وتصحيح وضعه مع زميلة أخرى ؛ حتى طلبت وقتها الأستاذة بالتصفيق لي وللزميلة ، وقامت بالتنبيه على من ترك الوضع الخاطئ للكرسي ودخل الفصل دون الانتباه لتصحيح المسار ، وأيضًا لجميع تلاميذ الفصل .. أن نسعى لتصحيح الوضع الخاطئ قدر الإمكان وقبل ذلك الانتباه والملاحظة .أصفق الآن لأستاذتي المتعقلة التي كانت تؤسس لتربية واعية وتدريب رائع للبحث ونضج العقل الذي منه نصل نحو الحقيقة .
أيها السامع،القارئ، الناقل ،الكاتب ؛ لاحترام عقلك لا تتعجل في أن تكون مصدر طمس الحقائق ؛ سواء كنت المتلقي المُلقَّن ، أو الكاتب المتحرش بالحقيقة الذي لا يترك إشارة لغيره بأن هناك مجال واسع للبحث والتفتيش ، بل يعطي الحق لنفسه أن يلمس ما لا نصيب له أحيانًا .
لنرجع بالزمن إلى الوراء لنقتطف فائدة من أقوال الشاعر طرفة بن العبد ؛ بألا نكون كإبل الصحراء التى وصفها : كالعِيس في البيداء يقتلها الظَّما ** والماءُ فوق ظهورها محمولُ .
يرجى الانتباه ألّا تُحجب عنك/عنكِ الحقيقة أو طريقها ، نقرأ بعين العقل أن الحقيقة تحتاجك بقوة طالما أنت بحاجة إليها ، بالرغم أنها قد تتأخر عنك أو يُصيبها النقص ، لكن وصولها بحد ذاته متعة لواقعك وإن كانت مؤلمة فهي ؛ مُعْلِّمَة – مخبرة – ، ومُعَلِّمَة – ملهمة – .
وعلى وجه خاص أخاطبك أيها المتحرش بالحقيقة : المراجعة والنقد والتصحيح ومواكبة شئون دنيانا أمور طبيعية للإنسان المفكر ولكل عصر متغير ، إلا أن الفكر بالفكر لا اللعن والطعن والتحقير وتعمد القص والحذف ، فلا تحدف الأحجار عليك بطرح وعرض الأفكار ؛ لنرتقى بإنسانيتنا ومجتمعاتنا وقيمنا .