بقلم: رعد الأغا
يا لائمي إنَّ الملامَ تطفّلُ
سُكرُ الشبيبةِ في الهوى لا يُعذَلُ
القلبُ يعشقُ والنهى متوجِّسٌ
والحبُّ أجملهُ الذي لا يَعقلُ
إنّي وجدتُ النادمين على الصِبا
شيباً ترجّوا أَنْ يعودَ فيجهلوا
إنْ كانَ عمري ليلةً لا تنتهي
قمرٌ صباكِ ونورهُ لا يأفلُ
فتعالَ نشدو والخيالُ نديمنا
فجمالكِ الدنيا التي أتأمّلُ
اللحنُ موفورُ الأنينِ بمعزفي
والروحُ صوتُ الناي فيها يَعْوِلُ
يا خِلّةَ النفسِ إكرمي متعطِّشاً
ودعيهِ من ريّاكِ عذباً ينهلُ
فلمن خُلِقْنَ شفاهَ برعمكِ الندي
تَصدى إذا لم تُشتهي فتُقبَّلُ
لا يفتح الزهرُ البديعِ كمامَهُ
لبقاءِ خلٍّ من خليلهِ يخجلُ
من قال إنَّ الحبَّ إبنُ تمنُّعٍ
والحبُّ من كلِّ المعاني أنبلُ
فأذِقتَني شهداً ألذّ من المنى
ورجعتَ من بعدِ التبرمكِ تبخلُ
أَيَظَلُّ في مقلِ السماءِ دموعها
والأرضُ من تحتِ السحائبِ تمحلُ
ماذا جنيتُ فحقَّ فيَّ تجنّياً
فجعلتِ شهدكِ نابَ عنهُ الحنظلُ
وأنا أذوبُ إليكِ حتى تظمأي
أسقيكِ عذباً ذابَ فيهِ السلسلُ
فعلى العيونِ الزُرقِ عُلِّقَ ناظري
وصباكِ آخرُ ما هويتُ وأوّلُ
رِفقاً بعبدِ هواكِ إنّي بتُّ في
محرابِ حسنكِ ناسكٌا متبتّلُا
وجوارحي وقفاً عليكِ حنينها
لرضاكِ مُعتقلُ الرجا متوسّلُ
رحماكِ تحت الصدرِ جُرحٌ نازفٌ
لو مسَّ دِفئاً من بنانكِ يدملُ
كيف الشفاءُ وأنتَ في عبثِ الصبا
جئتَ الجروحَ تذرّ فيها الفلفلُ
سخطاً ملامتكِ، صياحاً عتبُكِ
وخصامكِ كالأرض حين تزلزلُ
وهواكِ كالسلطانِ إنْ أغضبتهُ
يستأثرُ الحكم العجولِ فيقتلُ
أنّى جمعتِ قساوةً مثل الحصى
وترافةً فيها الأماني تُسبلُ
ذاب الفؤادُ من انتظارِ زيارةٍ
والضيفُ مثلوجُ المشاعرِ مُهمِلُ
له في الصدودِ شجاعةٌ وتمرّسٌ
وإلى التداني فيه جبنٌ يخذلُ
وزعمتِ شوقاً فاضَ فيكِ فزرتني
كمسافرٍ ينوي الوداع فيرحلُ
تقضينَ دَيْناً بعد طولِ تصبّرٍ
ولُقاكِ من مرّ الغمامةِ أعجلُ
كالنقشِ فوقَ الماءِ رسمهُ زائلٌ
وبطرفِ عينٍ عهدكِ يتبدّلُ
ضيّعتني وحفظتُ فيكِ مودّتي
وهوايَ بِرٌّ عنكِ لا يتحوّلُ
عيشي بغيرِ ظلالكِ مستوحشٌ
وهناءُ روحي بعدكِ لا يكملُ
إنْ يَقدمُ العهدُ الذي عاهدتني
وغفلتِ عمّا بيننا لا أغفلُ
قد قُلتِ رجماً بالغيوبِ نكرتني
وأنا الذي ما زلتُ بعدكِ مذهلُ
همسوكِ سرّاق الكلام نميمةً
قالوا هجرتُكِ قلتُ لا أتنصّلُ
إنّي رأيتُ الحاسدينَ تجاهروا
وبكلِّ ناحيةٍ لنا متأوِّلُ
ولئنْ رأيتِ السنَّ منّي ضاحكاً
ومع الصحابِ بثوبِ زهوٍ أرفلُ
واللهُ ما هذا تبسّمُ لاهيٍ
فالنارُ بِيْ لكنّني أتجمّلُ
أَفَهلْ سمعتِ بأضلعٍ قد أنكرتْ
قلباً وملَّ الغصنَ يوماً بلبلُ؟!
فإذا استبدَّ بي الهيامُ أحوّمُ
كفراشةٍ جُنَّتْ وفاحَ قرنفلُ
سيّان إنْ بَعُدَ المزارُ وإنْ دنا
فلطيفكِ الساري الجفونُ منازلُ
وهجعتُ من وهنٍ فأنكرَ خافقي
فبعثتهُ بدروبكِ يتجوّلُ
إنْ تعجبي ممّا سررتكِ فأعلمي
هذا قليلٌ من كثيرٍ يُنقلُ
أَوَ تطلبينَ على شكاتي شاهداً
والحبُّ من شفتي جوىً يتسربلُ
وجفوني من إثْرَ السُهاد فواتر
والدمعُ كالجمراتِ باتَ يُهرولُ
وَتَلَعْثَمَتْ كلماتُ قد أعددتها
ولساني من عيٍّ فداك معطّلُ
فأريحي من شكٍّ، ويا خوفي إذا
ما الشكّ أمسى في العروقِ تغلغلُ
يسري كنارٍ في الهشيمِ وإنّهُ
لو دبَّ في صرحٍ علا يتخلخلُ
كَلِفٌ وراحَ الدهرُ يرصدُ خطوتي
رَصْدَ الصبورِ أراهُ لا يَتَمَلْمَلُ
إنْ كانَ عشقُ الغيدِ أعظمُ زلّةٍ
وسعيتَ ضدّي غفلةً تتختّلُ
يا دهرُ إنّي للخطايا جاهدٌ
وكفى الحبيبُ بما تُعوِّلُ يفعلُ
جاءتْ ونارُ الخدِّ نورٌ يُتّقى
ودمي يفورُ، وفي الحشاشةِ مرجلُ
قالت تملّككَ الغرورُ لترعوي
لولاي لا تُغرَمْ ولا تتغزّلُ
لا تتهميني بالغرورِ فأنّني
إبنُ الهوى والعشقُ فيَّ مؤصَّلُ
وسلي لسانَ الطيرِ يروي قصّتي
أبد الزمانِ ستارُها لا يُسدَلُ