في كل صباحٍ ترى وجوهاً مستبشرة راضية انهكتها مصاعب الحياة او ربما افقدتها القدرة على توقع الغد ، ولكنها قانعة ، لا تطمح في البعيد هي فقط تحيا من أجل لقمة عيش هذا اليوم .
ملحمةُ كفاحٍ واقعية لسيدات مدينة المنصورة المكافحات ربما لسنا أبطالَ قصصٍ او روايات تقرأها فتدمع عينيك ، هن أبطال الواقع اللاتي جعلن من المعاناة وضيق الحال قوةً ونضال من اجل العيش وتحدي مصائب الزمن ،انبثقن من واقعٍ شاق في ظل عدم وجود مؤهلاتٍ علمية تؤهلهن للدخول الى سوق العمل، وقد زاد الامر صعوبةً مع إنتشار فيروس كورونا وضيق الحال ،ولكن بفضل إصرارهن على اضاءة الطريق قُمن بالعبور بأسرهن الى بر الامان.
الحاجه سعدة ، “بائعة الخضار ” والتي ربما لم تنل نصيباً من اسمها منذ نشأتها ، هي ام لخمسة أبناء، وتبلغ من العمر ٧٤ عاماً ، توفي زوجها منذ ثلاثون عاماً ولم يترك لها إلا محل خضروات صغير اضطرت لبيعه عند زواج ابنتها الكبري ، وقد تعاطف معها مالك المحل بعد معرفته بظروفها السيئة وضيق الحال فتركها تعمل في نفس المحل بالأجر حتى يومنا هذا ..
تقول الحاجه سعدة ، استيقظ في السادسة صباحاً كل يوم منذ ثلاثون عاماً لأنهي اعمالي المنزلية اولاً ،ثم أذهب الى محل الخضار مسافة مايقرب من ٣٠ دقيقة مشياً على الاقدام ،واقوم بفرش البضاعه حتى الثامنة والنصف صباحاً و يستمر عملي حتى الحادية عشر مساءً.
وبالطبع مع ارتفاع وتيرة انتشار فيروس كورونا بين الحين والاخر يقل الشراء والطلب ، فتلجأ الحاجة سعدة خلال ساعات النهار إلى الذهاب الى محل لشي الاسماك تعمل فيه ساعتين او اكثر مقابل بعض المال او وجبة سمك للغداء .
وبرغم كبر سنها وضيق حالتها الإجتماعية استطاعت الحاجه سعدة ان تتحدي هذا الواقع المرير وتتمكن من تعليم بناتها الخمس .. وتزوج بعضهن وتوفر لهم حياةً كريمة.
وتستكمل حديثها، لم استطع يوماً ان اجلس في منزلي انتظر الصدقات من الغير ، بل إني في هذا العمر ولا اتحمل ان يعولني أحد او أُحمله مسئوليتي .. فأنا أحب العمل وتعودت عليه وربما اذا أردت ان اتمنى من الله شيئاً “فأنا اتمنى ان يأخذ روحي وانا اعمل” كي لا اجبر مخلوقاً على إعالتي يوماً ..
أما ام هدير ..( ٥٤ سنه) ، بائعة الفاكهة ، هي أم لبنتين “هدير ١٧ سنه “و “هاجر ١٥ سنه” ، من مركز طلخا محافظة الدقهليه ، بعد ان أصيب زوجها رضا (٦٥ سنه) بإصابة بالغة في قدمه منعته من السير نتيجة لشغله في الحداده منذ ١٥ عاماً، بدأت قصة كفاح أم هدير في السعي وراء لقمة العيش وتأمين مستقبل بناتها وضمان تعليمهن.
تستيقظ ام هدير في السادسةِ صباحاً وتذهب لكي تفرش البضاعه بجوار سور القطر لتبدأ يومها مروراً بشمس النهار الحارقه حتى تنتهي في الحادية عشرة ليلاً .
هناك يومٌ كل أسبوع لا تذهب فيه أم هدير الي العمل ،بل تذهب إلي معهد الاورام بالمنصورة لتأخذ جرعة الكيماوي المحددة لها بعد عملية إزالة الرحم نتيجة لإصابتها بالسرطان منذ فترة وجيزة .
تقول ام هدير ، لقد تزوجت وانا عمري ١٢ عاماً ومنذ ان تزوجت وانا اعمل واساعد زوجي ، ولقد عملت من قبل في تنظيف البيوت، ومسح السلالم ، وفي الاراضي الزراعيه، و حمل الرمل والطوب والمونه والكثير والكثير .. فقط لكي أعف اولادي عن السؤال او طلب المعونه ، فبناتي لم أقبل ان يعملن أبداً حتى حينما كنا في اشد فترات الاحتياج وهي فترة بداية مرضِي ولم اكن استطيع التحرك ، رفضت ان تعمل بناتي، وكنت اجلس امام منزلي بالخس والجرجير من الصباح الباكر وحتى اذان المغرب لأوفر فقط طعام هذا اليوم ، والحمد لله بناتي الاثنان في المدارس وفي الثانوي العام وأطمح وأدعو الله ان يمدني بالعمر لأراهم فقط يدخلون الجامعة ، هذا ما أسعى إليه طوال حياتي .
وإختتمت ام هدير حديثها قائلة : الحمد لله ان جعلني لم أمد يدي لأحد ، فالاصعب من الجوع هو مد الايد ،وان جعلني أربي ابنتيَّ بالحلال واتمنى ان يطيل عمري فقط حتى ازوجهما واطمئن عليهما واكون بهذا قد اتممت مهمتي ..