أجرى الحوار/د. لطيفة القاض
تدقيق لغوي/ ميرفت مهران
إخراج صحفي/ ريمه السعد
*قمت بإجراء مقابلات شخصية مع رائدات
*كتابي الأول بعنوان “المرأة الفلسطينية تحت الاحتلال الإسرائيلي “
*عزوف الشباب عن قراءة الأبحاث
عدم توفر الدعم الرسمي و المادي
لقاؤنا اليوم مع الباحثة الفلسطينية و المفكرة الأستاذة ميسون العطاونة الوحيدي حيث أنها تميزت بعطائها المستمر و المتواصل ألفت العديد من الكتب و الأبحاث العلمية، عملت رئيس تحرير مجلة” زيتون بلدنا”،و مدير عام في وزارة الشؤون الاجتماعية، و أيضا عملت وكيلا مساعدا في الوزارة، و خبيرة في مجال التخطيط الاستراتيجي لحماية الطفوله، و محاضرة في جامعة القدس المفتوحة.
أصدرت العديد من الأبحاث، و الفت الكتب التي تخدم القضية الفلسطينية.
أهلا بك الأستاذة ميسون في هذا اللقاء المميز.
– من هي الأستاذة الباحثة ميسون العطاونة الوحيدي، كيف تقدم نفسها لنا وللقراء والمتابعين؟
ولدت في مدينة الخليل بتاريخ 18 كانون الأول عام 1949م، من عائلة تعود أصولها إلى مدينة بئر السبع، نشأت منذ طفولتي على حب العلم والمعرفة، وتفوقت في دراستي، فحصلت على بعثة دراسية خارج فلسطين، لكن ظروفي العائلية حالت دون التحاقي بالجامعة، حيث تزوجت وأنا في الثامنة عشر من عمري رغم رفضي لفكرة الزواج، وإصراري على إكمال تعليمي، وقد التحقت بجامعة القدس المفتوحة بعد افتتاح أول فرع لها في رام الله، ثم بجامعة بيرزيت حيث نلت درجة الماجستير في التربية عام 2000م.
أما على صعيد العمل، فقد جرى تكليفي من قبل المناضلة سميحة خليل، بمهام رئيسة تحرير مجلة “زيتونة بلدنا”، التي صدرت عن اتحاد الجمعيات النسائية التطوعية، ما بين عامي 1990م- 1994م، ثم صدر قرار من قبل الرئيس ياسر عرفات، بتكليفي بمنصب مدير عام في وزارة الشؤون الاجتماعية عام 1995م، وبعد 12 عاماً ارتقيت إلى رتبة وكيل مساعد في الوزارة نفسها، ثم عملت خبيرة في مجال التخطيط الاستراتيجي لحماية الطفولة، ومحاضرة في جامعة القدس المفتوحة.
-كيف كانت بدايتك في الكتابة؟
شعرت بأن المرأة في مجتمعنا مهضومة الحقوق، وينظر إليها نظرة دونية، وإذا قامت بأعمال عظيمة، غالباً ما يتجاهلها الأدباء والمؤرخون، ولا يكتبون عنها إلا النزر اليسير، لذلك كان بحثي الأول حول كفاح المرأة الفلسطينية في النصف الأول من القرن العشرين، وقد واجهت صعوبة في ندرة المراجع التي تتحدث في هذا المجال، فقمت بإجراء مقابلات شخصية مع من تبقى على قيد الحياة من رائدات العمل الاجتماعي والوطني خلال فترة الانتداب البريطاني، كما لجأت إلى البحث في المكتبات العامة ومن بينها مكتبة المسجد الأقصى المبارك، التي تضم مجلدات ضخمة لبعض الصحف الفلسطينية التي صدرت في تلك الحقبة، وأصبحت على مر الزمان صفراء ومهترئة ويكسوها الغبار.
بعد مسيرة طويلة من البحث الجاد، قمت بإعداد المسودة الأولى لبحثي الأول، وذات يوم حاصرت قوات الاحتلال بيتنا، وأمرت زوجي عبر مكبرات الصوت بمغادرة جميع من في المنزل، ثم احتجزتنا في بيت الجيران، وادعت أننا نؤوي أحد رجال المقاومة فيه، وبعد حوالي خمسة ساعات، قاموا بتفجيره وتسويته بالأرض باستخدام الجرافات الضخمة، تلك الحادثة شكلت لي ولعائلتي صدمة قوية، بسبب فقدان البيت وجميع ممتلكاتنا داخله، ووثائقنا الشخصية، بما فيها المسودة الوحيدة لبحثي الأول، حيث لم تكن الحواسيب الشخصية متوافرة حينها، لذلك كان توثيقي للبحث يدوياً على كراسات ورقية اختفت تحت ركام بيتنا، وأصبحت هباءً منثوراً.
– أخبرينا عن إصداراتك العلمية ؟
في بداية الثمانينيات
كلفني الأخ المناضل فيصل الحسيني (أبو العبد) بإعداد بحث حول المرأة الفلسطينية تحت الاحتلال الإسرائيلي، وكان قد تعرف علي كباحثة في مكتبة جمعية الدراسات العربية في القدس، أثناء تنقيبي عن مصادر ذات علاقة بموضوع بحثي الأول الذي لم ير النور، فكرست وقتي وجهدي لأقوم بالمهمة التي كلفني بها الأخ أبو العبد، وقد صدر كتابي الأول عن جمعية الدراسات العربية عام 1986م، وجاء بعنوان: “المرأة الفلسطينية تحت الاحتلال الإسرائيلي”، وبعد عام صدرت الطبعة الثانية للكتاب عن دار الجليل للنشر في عمان عام 1987م.
ومن إصداراتي خلال الانتفاضة الأولى، كتاب ” أطفال الانتفاضة” عام 1989م، وفي الانتفاضة الثانية صدر لي كتابان، وهما ” الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الطفل الفلسطيني” عام 2001م، و”الآثار النفسية لهدم البيوت على الأطفال والأسر المنكوبة في رفح” عام 2005م، أما بعد التقاعد فأصدرت أربعة كتب وهي: “مقاومة الاحتلال والفصل العنصري في فلسطين وجنوب إفريقيا” عام 2014م، و”فيصل الحسيني أسطورة المقاومة الفلسطينية” عام 2017م، و”الشباب يضيئون دروب التحرير” عام 2018م، وأخيراً كتاب “الدكتورة فتحية سعيد نصرو مناضلة فلسطينية ورائدة تربوية” عام2020م.
– ماذا يناقش كتاب “الدكتورة فتحية نصرو مناضلة فلسطينية ورائدة تربوية”؟
يناقش هذا الكتاب سيرة أستاذة جامعية عملت في المعاهد والجامعات الفلسطينية على مدار 55 عاماً ما بين 1965م – 2020م، وما تزال حتى الآن تعمل بكفاءة عالية بهدف إحداث التجديد والتطوير في مجال التربية والتعليم، للانتقال بالطلبة من التعليم التلقيني ليصبحوا منتجين للمعرفة، وقادرين على تحقيق طموحاتهم الذاتية والوطنية.
ويتضمن الكتاب بعض أساليب د. فتحية التربوية الإبداعية، ومواقفها الإنسانية المؤثرة، وعوامل بناء شخصيتها القوية، القادرة على التأثير في الآخرين، وإكسابهم توجهات إيجابية، وقيم أخلاقية سامية. كما يناقش الاستنتاجات والدروس المستفادة من مجمل التحديات والخبرات، والإنجازات التي حفلت بها سيرتها، الأمر الذي يجعل من الكتاب مرجعاً قيماً للمعنيين بمجال التربية والتعليم.
– كتاب ” الشباب يضيئون دروب التحرير” ما هي القضية التي عبرت عنها في هذا الكتاب؟
يعبر هذا الكتاب عن أهمية دور الشباب على الصعيدين السياسي والمجتمعي، بهدف الارتقاء بالمجتمع الفلسطيني، والمشاركة الفاعلة في الإعداد لمرحلة سياسية جديدة، وطرح مشروع وطني جديد. ويتضمن الفصل الأول توثيقاً لدور الشباب بعد النكبة، وفي الانتفاضة الأولى عام 1987م، والانتفاضة الثانية عام 2000م، ويتحدث عن مبادرات الحراك الشبابي، وأبرز المشكلات التي تواجه الشباب.
أما الفصل الثاني فجاء بعنوان: القدس قلب المقاومة الفلسطينية، ويتضمن توثيقاً لفعاليات الهبة الشعبية الأولى في القدس، بعد جريمة اختطاف وحرق الشهيد محمد أبو خضير، وبعدها أحداث انتفاضة القدس إثر العملية الجريئة التي نفذها الشهيد مهند الحلبي، ثم أحداث الهبة الشعبية الثانية في القدس، التي انطلقت بعد قيام الاحتلال بإغلاق بوابات المسجد الأقصى المبارك، والمباشرة بنصب البوابات الإلكترونية، أما الفصل الثالث فيتضمن تحليلاً للواقع لمرحلة ما بعد اتفاقية أوسلو، والمرحلة الانتقالية، والخطوط العريضة لمشروع وطني مقترح.
– ما هي التحديات والصعوبات التي تواجه الباحثين في مجتمعنا؟
من أبرز التحديات التي تواجه الباحثين في مجتمعنا، عزوف غالبية الشباب عن قراءة الأبحاث الجادة، والميل إلى قراءة الروايات ودواوين الشعر بشكل عام، إضافة إلى نقص المصادر والمراجع الحديثة، وعدم توافر الدعم الرسمي المادي والمعنوي للباحثين المستقلين، كما أن ارتفاع معدلات الفقر والبطالة يسهمان في ضعف الإقبال على شراء الكتب، وعدا عن ذلك فإن ضعف الحركة النقدية، يؤدي إلى حرمان الباحثين الشباب من تطوير أدائهم وأساليبهم البحثية.
– كثيراً ما يواجه الكاتب النقد، برأيك ما هو النقد الصحيح، ومن له الحق في توجيه النقد؟
النقد بشكله الصحيح هو النقد الموضوعي، الذي يعد العنصر الأهم في رصد حركة التطور، على أساس أن عملية النقد بحد ذاتها ارتقاء نحو الأفضل، وبناء عليه فإن النقد الموضوعي يتطلب أن يتصف الناقد بشروط من أهمها: البعد عن الأهواء الذاتية، والأنانية، وأن يكون ذا معرفة واطلاع على فنون الأدب، ومقاييس المنطق، والعلم ومناهجه، وأن يكون ذا ملكة نقدية، تسهم في كشف الأسس الجمالية والمعرفية التي يحملها النص، وفهمه للغاية التي يريد أن يتوصل لها الكاتب.
– ما هي معايير نجاح الباحث بنظرك؟
من أهم المعايير التي تساهم في نجاح الباحث: التوسع في العلم والمعرفة في مجال البحث، والتدقيق والتحقق من المعلومات التي يتم الاستناد إليها، واحترام الآراء الخاصة بالآخرين، والالتزام بالموضوعية في الكتابة، وتوافر الأمانة العلمية في نقل معلومات البحث.
– كلمة أخيرة؟
هناك تراجع في مكانة الثقافة العربية في بلادنا، وخاصة اللغة العربية التي تذوي وتضعف أمام الهيمنة المتزايدة للثقافة الغربية، وقد تبين أن هناك تدني في مستوى إتقان القراءة والكتابة لدى أبنائنا وبناتنا، بالإضافة إلى بروز توجه لدى فئة منهم عند الحوار مع الأقران إلى خلط الكلمات العربية بكلمات أجنبية في الوقت نفسه، كما انتشرت ظاهرة إهمال الكتابة باللغة العربية على اليافطات التجارية، في بعض المدن الرئيسية، واستبدل مكانها الكتابة بلغة أجنبية فقط، وهذا تصرف مسيء للغتنا الجميلة.
والكلمة الأخيرة هي أن نعمل معاً على حماية لغتنا العربية، وغرس الاعتزاز بها في نفوس أبنائنا وبناتنا، لأنها كنز من كنوز ثقافتنا، لتميزها بالجمال وغنى المفردات وسعة المعاني، وهي لغة الفكر والأدب والشعر، ولغة الحضارة والقيم الإنسانية، وهي الرابط الأساسي الذي يوحدنا ويعزز صمودنا في وطننا. علماً بأن العالم يحتفي في الثامن عشر من كانون الأول من كل عام، باليوم العالمي للغة العربية، الذي كرسته منظمة الأمم المتحدة من خلال القرار 3190، للاحتفال باللغة العربية كلغة رسمية في جميع المؤسسات الدولية التابعة لها، باعتبارها من أهم اللغات في العالم.