كتب/خطاب معوض خطاب
بالتأكيد عنوان هذا المقال يعتبر صادما وسيجعل البعض يتساءل هل يصح أن نقول: “رفقا بالقوارير” ثم نقول: “اكسروهن برفق”؟!، ولكن قبل أن أجيب على مثل هذا التساؤل أود أن أحكي لكم حكاية ومأساة أم محمد تلك البائعة والزوجة المصرية الريفية الشابة التي كثيرا ما ألقاها بالقرب من مكان عملي.
“عاوزاك تكتب عني يا أستاذ”، هكذا قالت لي أم محمد بائعة البيض البلدي والجبن القريش حينما استوقفتني في الطريق الأسبوع الماضي، وقالت إنها تعرف أنني أكتب وأظهر في التليفزيون ولذلك فهي تريدني أن أكتب عنها وعن حكايتها، هي لا تطلب مساعدة، فقط تريد أن تحكي لي وأن أكتب حكايتها وأنشرها لكم.
جلست على الرصيف أستمع منها إلى حكايتها التي يعرفها الكثيرون حسبما قالت، هي فتاة من إحدى محافظات الدلتا في أواخر العشرينيات من عمرها، تزوجت وعمرها 14 سنة من ابن عمها الذي يكبرها بخمسة عشر عاما، وأنجبت من زوجها ثلاثة أولاد وبنتا واحدة، زوجها هذا أمي مثلها وهو أرزقي كما قالت، أما هي فتقوم بجمع البيض البلدي من أهل بلدتها طوال الأسبوع وتأتي به لتبيعه هو والجبن القريش والمشلتت بالقاهرة مرة أو مرتين كل أسبوع.
ومنذ ما يقرب من سبع سنوات وزوجها لا يغادر المنزل، هو ليس مريضا ولا مصابا ولكنه ليس له نفس للعمل كما وصفته، وطوال هذه السنوات السبع وهي تتولى مسئولية المنزل، فهي التي تعمل وتجلب الأموال لكي تنفق على زوجها وأولادها وتخرج أسرتها من الضائقة المالية التي تعاني منها.
وتقول أم محمد إنها تحمد الله على نصيبها وترضى به، ولكن ما لا ترضى به هو ضرب زوجها لها بسبب وبدون سبب، فهو لا يكتفي بأن يجعلها تعمل وتنفق على البيت، بل ويعاملها معاملة قاسية ويسلبها أموالها التي تشقى بها لينفقها على ملذاته، وإن هي رفضت فمصيرها هو الضرب والإهانة بل والفضيحة حيث تعود على اتهامها بأنها تعرف رجالا غيره.
ورغم ضربه لها وإهانته المتكررة، لدرجة أنه كسر ذراعها أكثر من مرة وأصابها في وجهها إصابات بالغة، إلا أنها كانت تصبر وتتحمل دوما من أجل أولادها، تقول والدموع تملأ عينيها: “سهل عليا أوي إني أسيب له البيت وأروح لأبويا، لكن مين هيخلي باله من العيال ويصرف عليهم، خصوصا وأنا عندي ولد في ثانوي وبنت في إعدادي وعاوزة تتجهز”.
فضفضت أم محمد لعدد من زبائنها السيدات اللاتي تبيع لهن الجبن والبيض بالقاهرة، ولكنها للأسف واجهت في طريقها عددا من الطامعين فيها، “كثيرا ما أتعرض للتحرش والإغواء من ناس كتير، ولكني ماليش هم غير رعاية أولادي وتربيتهم”، هكذا قالت لي أم محمد، واستطردت قائلة إن هناك إغواءات أخرى كادت تنصاع لها، حيث عرضت عليها إحدى السيدات أن تعطيها مبلغ 60 ألف جنيه مقابل تبرعها لها بكليتها، وتقول أم محمد إنها كادت توافق ولكن ما جعلها تتراجع هو خوفها من زوجها، لأنه لو علم بما ستفعله سيأخذ الأموال لنفسه، كما أن إحدى السيدات قد عرضت عليها أن تعطيها مبلغ 30 ألف جنيه مقابل أن تعطيها ابنا من أبنائها تتبناه وتربيه لها، ولكنها رفضت وقالت لا أبيع ابني.
أم محمد فتاة ريفية اقترب عمرها من الثلاثين، ولكن حين تراها تظن أنها قد اقتربت من الخمسين، فهي تحمل هموما قد لا يحتملها الرجال، هي لا تشكو من ثقل المسئولية ولا من شقاء العمل، هي فقط لا تريد سوى الرحمة، لا تريد سوى جبر الخاطر، فرغم سوء معاملة زوجها لها إلا أنها تقول: “مهما كان ده ابن عمي وأبو عيالي”، وتكمل أم محمد إنه لو استمر زوجها على معاملته تلك معها فربما لن تجد أمامها سوى نهر النيل لتلقي فيه بنفسها، علها تتخلص من همومها الكثيرة التي لم تعد قادرة على تحملها.
ملحوظة:
الصورة ليست لأم محمد وإنما هي صورة تعبيرية ليس إلا، وبالطبع هذا ليس اسمها الحقيقي.