أخبار وفن
مارغو حداد تحي ذكرى وفاة الفنان الراحل ياسر المصري ” لن ننساك”
عبر صفحتها الكاتبة والممثلة والمخرجة الأردنية مارغو حداد تحي ذكرى وفاة الفنان ياسر المصري لتنشر صورة تجمعها معه وتكتب
اليوم في ذكرى وفاة الفنان ياسر المصري ، نتذكّر دائمًا التواضع و الاخلاق كان يمتلك طموحا كبيرا وخيالا محلقا وإمكانيات كبيرة وروحًا مرحة ظريفة، كان يستدعي الإنسان الذي يشعر بالوحدة ويستدعي الكلام في زمن الصمت.
لا يصرخ ولا يهتف… بل يرسم ابتسامة الحياة في صوته نشعر بنعمة الكلمات ونشعر بأهمية التفاصيل الصغيرة ونحس بسحر البوح بعد طول كتمان… يتفهم أن الإنسان أبعد ما يكون عن الكمال وأن الجميع يستحقون التسامح. لذا قدم كل الشخصيات بلمسات بارعة بأدائه الواثق والهادئ…كان شديد الذكاء والسخرية وقادرا على تحويل العادي إلى خارق، مقنعًا ومبهرًا.
كان استثنائيا عندما يدعونه إلى «حومة الوغى»، وممثلا بارعا ومجتهدا تتلون التعبيرات على وجهه كيفما شاء. ولكن شيئًا واحدًا كان مثل الخيط الذي يربط كل شيء… إنها نظرة العين الثابتة، هذا هو مفتاح الأداء كله… كان يرى هدفه واضحًا وثابتًا، وكل ما يفعله من أجل تحقيق ما يراه، كان يقول لي إن الحياة هي أكبر عرض مدهش… إنها مزيج معقد بين الواقع والخيال… واقعية مقبولة ورومانسية مؤثرة، تمثلت فرادته في موهبته، وعذبة اختلافه.
كان يملك وفاء فطريا لمبادئ إنسانية أصيلة، الشخصيات التي رسمها تشبه سلسلة من البطاقات البريدية الجميلة وجدول زخرفات وتطريزات تغريبية، ولوحات فولكلورية جميلة وغريبة مثل عجائب «ألف ليلة وليلة»… فهو من الفنانين القلائل الذين جعلوا من أعمالهم استكشافًا شكليا ينصهر في قالب جمالي متناسق العناصر، وعندما يقول الشعر في اعماله تشعر أن هناك عبارات تخرج مع الأنفاس عنيدة في بحثها وفي جنونها مستعدة للمعاناة، ياسر زرع بستانا في قلب الصحراء، الصحراء بالنسبة إليه ليست فضاءات ومسافات فقط ولكنها أيضا لغة ورموز وتماهٍ وثيمات كثيمة العطش هي الموطن، غزالة جمالها يجل عن الوصف تحميه وتتحداه، تقاربه وتفر منه. فالصحراء لا تنفتح إلا للمخاطرين، أولئك الذين يعزفون عن كل الامتيازات مهما كان إغراؤها، الصحراء فريدة مقعرة محدبة مختومة على سر تنتهي إلى الكشف لمن هم جديرون به.. كان يعي ذلك ويعي أنها وحدها القادرة على رسم ملامح بحث روحي وقوة ومغامرة ومعاناة إلى جنة أرضية اسمها الحب.
كان فنانا اعتبر دائمًا انه لا معنى للإبداع من دون فكر وثقافة، وكان يمتلك طاقة مذهلة في اقتناص التفاصيل والجزئيات الموجعة، كان موهوبا ببساطته المدهشة، وكانت لديه قدرة فائقة على استخدام جسده وصوته… كان نجما في كل أدواره يؤدي ثم يغادر من دون انتظار كلمة «شكرا» أو جائزة رغم أن اسمه يستحق التكريم في مهرجانات السينما والمسرح ويستحق دراسة خاصة كنموذج لعشاق الفن الذين قدموا عطاء رفيعا بعيدا عن أي نجومية ياسر المصري… كان حكاية طويلة تستحق كتابا خاصا لأنها لا يمكن أن تنسى، فهو موهبة عظيمة أثرت حياتنا الفنية لكنها انطفأت في عز تألقها، كان عاشقا للفن حتى النهاية … لقد تحولت حكايته إلى قصيدة أنين، وإن أفضل دفاع عن الفن والحرية هو أن تصنع فنا متمردا يعيش ويبقى… وقد فعلت يا ياسر… وقد فعلت.
صديقي الصدوق رفيق النجاحات وجعت قلبي لروحك السلام لن ننساك.