حياة الفنانين
“مينا بشير” هدفي إعادة إحياء لغتي العربية في بقعة الغرب المنغلقة والمسيجة
وكندا هي نهضة علمية وعملية بالنسبة لي
إعداد وحوار/ ليث جبار محمد
إخراج صحفي/ ريمه السعد
مينا بشير كاتبة شابة تكتب بطريقة رائعة ومختلفة عن باقي الكتاب لها نكهة خاصة عند الكتابة كلماتها في الطرح تدخل القلب بسرعة غادرت العراق وبقلبها حب كبير له استقرت في كندا لتكون الكاتبة المغتربة غربتها جعلتها تبدع أكثر وأكثر
الكاتبة مينا بشير حلت ضيفة علينا
.. متى بدأت مينا تكتشف نفسها ككاتبة…؟
،، اكتشَفتُ الكاتبةَ التي في داخلي عندما كنتُ في الثاني عشر من العُمر، و اكتشَفَتني هي في عمرِ التاسع عشر.
.. ما هي الأجواء الخاصة للكتابة ل مينا بشير ؟
،، الكتابةُ هي الجَو بحَدِّ ذاته، و من منظوري أقولُ أنه لا حاجةَ إلى أجواء، لكنني أحبُّ الكتابةَ على أنغامِ جوبين أو موزارت أو عمر خيرت، مع فنجانٍ من القهوة، لكنني أنشغلُ بالكتابةِ حتى تَبرُدَ قهوتي.
..ما هي مقومات الكاتب الناجح من وجهة نظرك؟
،، أولاً أن يثقَ بحاسّةِ الكتابة، أن يؤمنَ بخَيالهِ و يُطلِقَ العَنانَ لأفكاره.
ثانيًا يجبُ على الكاتب أن يكون مُختلفًا مُتَفَرِّدًا بطريقة سَرده و أسلوبه.
ثالثًا لابدَّ أن يحِبَّ الكتابةَ أكثر من النَشر، أكثر بكثير… فالكتابةُ هي الحبُّ الحقيقي المُشَبَّعُ بالشغَف، أما النَشرُ فهو مجرَّدُ شهوة.
و من أهَمِّ مقَومات الكاتب الناجح أن يكون قارئًا من الطِراز الأول، قارئًا نَهِمًا.
و آخرُ صفةٍ هي الصَبر… نجاحُ الكاتبِ يتطلَّبُ وقتًا و صبرًا، ذلك أن الكتابةَ تتَّخذُ مقعَدًا خلفيُا مُقارنةً بالفَن السَمعي و المَرئي. لابُدَّ أن يصبرَ الكاتبُ و يحبَّ رحلة الكتابةِ بحَدِّ ذاتها، أن يكتبَ دون مُقابل، أن يُمضي أيامًا و سنواتٍ طوالٍ في الظُلمة قبل أن يرى خيطَ النور.
.. مينا بشير غادرت العراق وانت بعمر 14 عاما حدثينا عن هذا الموضوع وفي أي عام خرجتي من العراق إلى كندا؟
،،، أنا غادرت العراق في عمر الخامسة، عام 2006 و عشت في الإمارات 9 سنوات ثم جئت إلى كندا.
لا أتذكَّر من بلدي الأم الا المُقتطَفات و الصور المُبعثَرة، أما الإمارات فهي شبيهة وطن بالنسبة لي. كانت منبَع الرَفاهية و الألفة بالنسبة لمينا، و قد اكتشَفتُ حبّي للكتابة و التأليف من هناك، تأثُّرًا بمعارضِ الكتاب و البرامج الثقافية التي كنتُ أزورها.
أما كندا فهي نهضة عِلمية بالنسبة لي، نهضة عِلمية و عمَلية، حيث ظهرَت في حياتي مينا الراشدة، مينا التي تنتمي إلى عالمِ المسؤولية و الراشدين. في كندا بدأتُ ممارسة الكتابة كمهنة بدءا من مواقع التواصل الاجتماعي حتى الكتُب المنشورة. فيها لازمَني شعور المسؤولية تجاه القلم و الكتابة، فيها حمَلتُ على عاتقي مسؤولية إعادة إحياءِ لغةِ الضاد في المجتمع الغَربي الذي يتمتَّعُ بمخارجِ الحروفِ الرَخوة و اللغةِ الهُلاميةِ المُخمَلية.
… برايك ما هو نوع الدعم الذي يحتاجه المبدع العراقي
المثقف في الوقت الراهن..؟
أظنُّ أن “الدَعم” كلمة قليلة و صغيرة على ما يحتاجه المُبدع العراقي اليوم، فالمُبدع العراقي و بالذات الكاتب يحتاج إلى إعادة إحياء، فسماءُ الإبداع اليوم و صالات التَتويج و المسارِحُ المُكتَظّةُ بالتَصفيق تكادُ تَخلو من الكُتّاب أو صانعي الحضارة الجديدة أو صُنّاع المُحتوى الكتابي بشكلٍ عام.
يحتاج المُبدع و المُثقَّف إلى موجةٍ من التَشجيع الحقيقي الصادق البعيد عن المُجاملة و التَطبيل، و هذه المَوجة لن تأتي إذا لم تحدث نَهضةٌ في الوعي و انتفاضةٌ فِكريةٌ حقيقيةٌ تجعلُ من القراءةِ و الإبداع “موضة العصر” يحتاج المُثقَّف و الكاتب العراقي إلى جُمهور مُتعَمِّق أكثر، إلى جمهور يأخذ الوقت ليقرأ كل كلمةٍ بحواسِّ مُتذَوُّقٍ و ليس مجرَّد قراءة سريعة بغرَضِ المُجاملة، نحتاجُ إلى جيشٍ من القُرّاء الذين يُضَحّونَ بدقائقَ من وقتهم ليُبحِروا في سفُنِ الحروف دون ملل، جيشٌ يسألُ و يستفسِرُ لأنه عادَ إلى فطرةِ الفُضولِ البشَري، يسألُ عن ذروةِ المعنى و لا يكتَفي بخَدشِ السطحِ فقط.
… ما رأيك في موجة مواقع التواصل الاجتماعي، وهل تساهم في متابعة القارئ للإنتاج الأدبي؟ وماذا عن وظيفة الناقد؟
،،، لقد أصبحَ الكُلُّ ناقِدًا اليوم، و قد ضاعَ صولَجانُ الحاكمِ بين المَحكومين. بحيث تحوَّلَ الإنسانُ العادي في هذا الزمن و في ظل انتشارِ أنواع المحتَوى على مواقعِ التواصلِ الاجتماعي إلى ناقدٍ بالفطرة. في رأي أن هالةَ الأنا قد توَسَّعَت بشكلٍ كبيرٍ حتى حوَّلَت عينَ الإنسان إلى عينٍ ناقِدة.
… ملخص حول كتابك قلم مغترب وكيف جاءت فكرة كتابته ؟
،،، يُعَلِّمكَ الكتابُ كيفيةَ التعامُلِ مع مشاعرِ الغُربةِ و الوحدة، بأسلوبٍ سَلسٍ و قاسٍ في آنٍ واحد. إذ لابدَّ للإنسان أن يعيشَ بنصفِ شعورٍ من الغربة، أن يتوقَّعَ نَوباتِها دائمًا و أن يتعاملَ معها بحياديةٍ و تقَبُّلٍ و أريَحيةٍ تامّة، فهي غيرُ مؤذية، و لا يجبُ أن يُصَنِّفَ المرءُ نفسه على أنه ضحيةٌ لها. فالغربةُ درسٌ يعَلِّمُنا الكثيرَ من القيَم، ليسَت أكثر من امرأةٍ مجنونةٍ لا تعرفُ ماذا تريد.
جاءتني فكرةُ كتابته من موجةِ ألَمٍ ألَمَّت بي، كان ألمًا مَمزوجًا بشيءٍ من الفراغ. و الكاتبُ بطبيعةِ الحال يكتبُ أجملَ نصوصه عندما يشعرُ بالألم. لم يَنشأ الكتابُ كفكرة، بل كانَ كتلةً من الألمِ تم تَهريبُها سِرًّا من داخلِ زِنزانةِ القلب، ثم تمَّ تحويلُ تلك الكُتلةِ إلى فكرة، و أصبحَت الفكرةُ أسلوبًا سَرديًا مُتشَكِّلاً بشرائطَ من الحُروف.
… هناك مقولة تقول “من يقرأ جيداً يكتب جيداً” هل هذا صحيح؟
،،، طبعًا هذه المقولة صحيحةٌ جُزئيًا و ليس كُلًّا، بمعنى أنه من يكتُب جيدًا سيقرأ جيدًا بطبيعة الحال، لأن الكاتب لابُد أن يكونَ قارئًا نَهِمًا، لكن العكسَ ليس بالضرورةِ صحيح. إذ أن من يقرأ جيدًا ليس عليه أن يكونَ كاتبًا، فهناك الكثيرُ ممَّن يتَّخِذونَ من القراءةِ هوايةً و شغَفًا لكنهم لا يكتُبون.
بالنسبةِ لي القراءةُ هي مصدَرُ الإلهام الأولِ للكاتب، لذلك فأنا لن أكتُبَ روايَتي حتى أنهلَ من بحرِ الكتُبِ ما أستطيعُ لأحيكَ فكرةً قويةً و قنبُلةً إبداعيةً ذَرّية. هناك مَقولةٌ مَفادُها أن مُعادلةَ القراءةِ و الكتابةِ كعَملية التنَفُّس. فالقراءةُ هي الشَهيقُ و الكتابةُ هي الزَفير.
… هل تكتبين لأنك تريدين إرسال رسالة من خلال كتاباتك أم هي طاقة تخرج منك على هيئة كلمات؟
،،، إنها مزيجٌ بين الاثنين دون شَك.
فالإنسانُ الواعي يستَغِلُّ كل شحُناتِ الطاقةِ داخلهُ ليصنعَ منها رسالةً تحكي عنه، رسالةً مُميزةً و مختلفةً لا تشبهُ أحدًا إلا ذاته. فأنا أعَدتُ تَوظيف و توجيه طاقتي المُتَراكمة و صنَعتُ منها رسالتي، و هي أن أجعلَ الثقافةَ موضةً عالميةً و “trend” يتَّبعهُ الناس ليس من بابِ التَقليدِ الأعمى إطلاقًا و إنما من بابِ الحُبِّ و الشغف بالثقافة و القراءة، هدفي هو إعادةُ إحياءِ لغَتي العربية في بُقعةِ الغربِ المُنغَلِقةِ و المُسيَّجة، فمن حَقِّنا على الغربِ أن يتحَدَّثوا لغتنا و يتَعَلَّموها كما تحَدَّثنا لغتَهم و تعلَّمناها.
، هذه العبارات الجواب بكلمة:
القُرّاء: جَوعى
الرأي و الرأي الآخر: توأم مُتخلفَون
العمل: مُنقِذ
المطر: كِذبة
التَذَمُّر: إجهاضٌ للحُلم
… هل هناك كتب جديدة في الأفق
،،، نعم بالتأكيد، و سأتركُها مُفاجأةً و إجابةً مفتوحةً للقُرّاء ليتَوَقَّعوا جَديدي….
..كلمة أخيرة
اترُكوا عنكم الضَجيجَ الفارِغ، أطفِئوا ضوءَ الظُهور و اقتُلوا داخلكم حُبَّ الظُهور، انتَموا لتلك المدينةِ المُظلمةِ الواقعةِ خلف الكواليس، وراءَ ظهرِ النور… هكذا تستطيعونَ تقديمَ شيئا حقيقيٍا لهذا العالمِ الفقير.
اقرأ المزيد ميادة مهنا سليمان” لغة الكاتب جواز سفره إلى دنيا الجمال، وجناحه الّذي يحلّق به في فضاءات الإبداع،