_ الأعمال الأدبية حين تتحول إلى دراما لا يحاسب عليها كاتبها .
_ أمثلة لدراما هادفة .. الفنان فريد شوقي في “جعلوني مجرمًا” ،و فاتن حمامة في “أريد حلا” و”أفواه وأرانب”، و”إمبراطورية ميم” .
_ تعلمت من نجيب محفوظ أن العمل متى طرح لا يعود ملكًا لصاحبه وحده بل يشاركه فيه القاريء .
_ إيناس عبد الدايم: جعلتني أتساءل هل توجد وزيرة أو وزارة ثقافة فعلًا؟
_ شعر أمل دنقل لا يُقرأ لكنه يعايش .
_ الكتاتيب بتدريسها القرآن الكريم بذرت بذور الهوية في النشء .
_ لا تسألني عن واقعنا العربي فقد ولى زمن حاتم الطائي .
_ كتابي عوامل قيام الحضارات يرد عمليًا على مقولة كارل ماركس الدين أفيون الشعوب .
الناقد الأدبي والكاتب الصحفي أسامة الألفي، مساعد رئيس تحرير الأهرام سابقا ومحلل سياسي
.. يكتب مقالات في الأدب واللغة والسياسة والموضوعات العامة الحاملة لهموم الوطن والأمة ، ولديه مؤلفات متعددة ومنها : ( عوامل قيام الحضارات وانهيارها في القرآن الكريم ،و لماذا أسلموا؟! ،و مبدعون فى لوحات أدبية ،و أمل دنقل عابراً للأجيال ،و اللغة العربية وكيف ننهض بها نطقاً وكتابة )
وفي جولة حوارية مع ضيفنا حول أفكاره وكتاباته :
” إن تحديث مصر وتنميتها فى شتى المجالات، لن يتم إلا بالحفاظ على هويتها” هكذا خط قلمك .. الكثير تحدث عن هوية الوطن ولكن ما رؤيتكم الجاهزة التطبيق للحفاظ على الهوية؟
– نعم تعزيز هوية المواطن هو السبيل لتحديث مصر وتنميتها، وتعزيز الهوية يبدأ بالتعليم، ولو تأملنا حال التعليم أيام الكتاتيب واليوم لوجدنا بونًا شاسعًا، فالكتاتيب بتدريسها القرآن الكريم بذرت بذور الهوية في النشء، لهذا سعى المستعمر ثم أذنابه من بعده، إلى محو هويتنا الإسلامية بحجة تعارضها مع المواطنة، والهدف أن نكون أداة طيعة للغرب وقيمه، وهو ما تنبه إليه قبل نحو 9 عقود السياسي القبطي والوطني الكبير مكرم عبيد، الذي كان يحفظ القرآن الكريم، فأعلن رفضه لهذه الدعوات المشبوهة قائلًا بملء فيه: “أنا مسلم الثقافة، قبطى الديانة”.
والقول بأن هوية مصر الإسلامية تتعارض مع مدنية الدولة، قول مردود عليه بأن الدستور ينص على أن الدين الرسمي لمصر هو الإسلام، والهوية الإسلامية لا تعنى أن يحكمنا شيخ أو فقيه، بل تعنى أن نتزود منها بالقوة الدافعة لصنع حضارة، وتبوأ المكانة اللائقة بشعبنا بين الشعوب الأخرى.. أن هوية الأمة حافزها الذي لا يلين لاستشراف المستقبل ودخول أبوابه المشرعة.
لقد أضعف ضياع الهوية انتماء شبابنا لوطنه، لأنه لم يجد نفسه فيما طرح عليه من فكر تغريبي، وبالتالي لم يجد حافزًا يدفعه ليبدع ويفكر وينتج، والتاريخ يحدثنا أن الدين كان أكبر عوامل قيام الحضارات العظيمة، مثلما كان أهم عوامل ضياعها أو سقوطها، ولنضرب مثلا قريبًا منا ونسأل أنفسنا: ماذا تبقى من آثار حضارة أجدادنا قدماء المصريين؟ إن الباقي من هذه الآثار هي المعابد.
حملات الهجوم على الأزهر الشريف على مر التاريخ .. هل هي غرض إصلاحي تنويري أم انعدام قيمة القدوة في المجتمع؟
– لا علاقة لها بالقدوة هي حملات ممنهجة مدفوعة الأجر، لهدم الأزهر الشريف الذي ظل لقرون منبرًا لفكر الإسلام الوسطي، وهذه الوسطية تزعج المناوئين للإسلام وتخيفهم، لأنها تحمي الشعب من الوقوع في براثن التطرف بنوعيه المغالاة في الدين والإلحاد، فمن يحملون دعوى التنوير المشبوهة والتي اسميها دعوى “التزوير”، يريدون أن ينمو التطرف، كي يتاح لهم استغلال نموه في الترويج لفكرهم المزور تحت ستار محاربته، ولو كانوا صادقين لأرونا حقيقة التنوير الذي يريدونه، لكنهم يخدعون الناس بعبارات مطاطة لا مضمون نافع لها.
دعني أسالك سؤالًا: هل التنوير يعنى ألا نحترم كتاب الله، ونعتبره كأي كتاب قابل للطعن في محتواه ومضمونه ويحتمل الصدق والكذب؟ هل التنوير أن نترك بعض الملحدين يشككون في وجود خالق للكون؟ هل التنوير أن يأتي أحدهم ليشطب بجرة قلم الأحاديث النبوية بحجة أنها لا تناسب العصر؟ كل هذه الأفعال وأمثالها واجهها الأزهر ورجاله بالحجة الدامغة والرؤية المقنعة، ولهذا كان الهجوم عليه.
* قضية الذوق العام وظهور أعمال كتابية وسينمائية ودراما أو حتى غناء .. ما هي معايير الحكم على الأعمال الإبداعية وكيف نبدع وهناك قيود ما؟
– في مطلع القرن الماضي كانت الواقعية المذهب السائد في الفكر والأدب، وكانت الروح التشاؤمية السوداء تغلب عليها، ثم برز مذهب أسماه مؤسسوه “الفن للفن”، وعنه أخذنا السلبيات وتركنا الإيجابيات، فالأدب والسينما لونان إبداعيان، ممكن أن يوجها للخير والقيم وممكن العكس، مثلما تكون السكين نافعة إذا استخدمت في المطابخ، ومضرة إذا استخدمت في إيذاء الآخرين، وعلى هذا فأن المعايير الفنية وحدها لا تكفي وحدها لتقييم العمل الأدبي أو الدرامي، فلابد أن تحوطها قيم تحول دون تحوّل العمل إلى سكين تذبح به مبادئ الشعب وأخلاقياته، وليس بخاف عليك أن انهيار النظرة للمعلم – على سبيل المثال – جاء بعد مسرحية “مدرسة المشاغبين”، كما أن انتشار مشاهد العرى والفجور والاغتصاب والجنس والبلطجة في السينما، أدى إلى زيادة حوادث التحرش والاغتصاب والقتل.
إن الإبداع لا يحتاج إلى إثارة الغرائز بمشاهد أو كلمات مبتذلة، مثلما فعلت مؤخرًا شاعرة تونسية نشرت ديوانًا بعنوان “نهديات السيدة واو”، ووضعت صورة مثيرة لها على غلافه، وكتبت في كلمات منفرة أنها تهديه إلى مَنْ يستنمون عليه؟، والدراما بدورها مطالبة بتقديم الفن الراقي الذي يرتقي بالمشاهدين ويناقش قضاياهم، وليس نشر الفجور بمشاهد وصور واسقاطات وأحداث خارجة تروج للإنحراف السلوكي مثل فيلم “أصحاب ولا أعز”، مطلوب أن تقدم الدراما أعمالًا هادفة تعالج قضايا المجتمع وتنفر من الجريمة وتوضح أسبابها وطرق المعالجة، مثلما فعل الفنان فريد شوقي في “جعلوني مجرمًا” ومثلما فعلت فاتن حمامة في “أريد حلا” و”أفواه وأرانب”، و”إمبراطورية ميم”، والمخرج المبدع فعلًا يمكنه أن يقدم مشهد اغتصاب مثلًا إذا كانت القصة تحتمه بالإيحاء دون ظهور مشاهد مثيرة، مثلما فعل مخرج “بداية ونهاية” في مشهد اغتصاب ابن البقال لـ”نفيسة”، فلم يعرض المشهد مباشرة وإنما بتصوير الغرفة وهي تدور وتترنح، وترافقها موسيقى تصويرية معبرة.
* بعض الدول لديها نظام الكفيل شريطة العمل بالدولة وبشكل خاص دول الخليج .. لماذا واقعنا العربي في غربة عن كرم حاتم الطائي بما يخص نظام العمل للمغترب؟
– نظام الكفيل وضع أساسًا من أجل أمن تلك الدول، لأن بعضها يعمل به نحو مئة جنسية أو يزيد، إلا أن عند التطبيق حاد به بعضهم عن هدفه وحوله إلى رق وسخرة، يستخدمه صاحب العمل في السيطرة على العامل لديه واستعباده وسرقة جهده وأجره، وحاليا تجري مراجعات لهذا النظام بعدما تزايد الانتقادات الدولية له.
ولا تسألني عن واقعنا العربي فقد ولى زمن حاتم الطائي، والأدهى أننا تمزقنا وصار معظم العرب يكرهون بعضهم، ويفضلون العدو عليهم، ويكفي ما تفعله دول الخليج من تقارب لا مبرر له مع الصهاينة، فلا حدود لها مع الدويلة العنصرية لتسعى لعقد معاهدات سلام معها، في وقت تواصل هذه الدويلة اغتصاب أراضي أشقاء في العروبة والإسلام وتقتلهم وتشردهم.
* قال أمل دنقل” لا تحلموا بعالم سعيد فخلف كل قيصر يموت قيصر جديد وأحلام بلا جدوى ودمعة سدى” .. لديك كتاب يخص دنقل من إعدادك وإشرافك مع نخبة من النقاد كشف مواقفه السياسية وجماله ليس فنيًا فقط، كيف تقنع العقول المستهدفة إعادة قراءة أمل دنقل وأشعاره؟
– شعر أمل دنقل لا يُقرأ لكنه يعايش، بمعنى أن من يسمعه أو يطالعه يسبح في جو القصيدة ويندمج معها، يحس أنه المقصود بها وأنها كتبت له خصيصًا، فشعره قد يكون عني وعنك وأي إنسان آخر، لماذا؟ لأنه كان صوتًا للمواطن البسيط الذي لا صوت له، يرى ذاته في هذا المواطن المهمش ويعبر عما يجول بنفسه، وساعده على النجاح ما تميز به من موهبة فطرية وتعبير متفرد ودلالة وفكر وبصمة خاصة، فلم يكن كشعراء آخرين مجرد امتداد لمن سبقه من الشعراء، فله قاموسه الخاص وأسلوب واسقاطات وتناص من التاريخ والتراثين العربي والعالمي يفهمها الجميع، كما في الأبيات التي تفضلت بذكرها، والتي تكشف رؤية ضبابية حزينة غلفت أشعاره، فالقصيدة عنده ليست مجرد موسيقى تصدح وقواف تسترسل، لكنها أشبه بحلم تتدفق فيه الصور والمعاني في حركة متسارعة لتعبر عن المكبوت، في كلمات تطهر النفس من آثار الصدام بين الحلم ومرارة الواقع.. ألا يكفي هذا لإعادة قراءة بل معايشة قصائد هذا الشاعر الفذّ؟
* “عوامل قيام الحضارات وانهيارها في القرآن الكريم” عنوان كتاب لك، وبذات الوقت هو سؤال لنا نطرحه لتفيض بخلاصة تروي العطش المعرفي؟
– الكتاب أصلًا بحث منحني مجمع اللغة العربية عنه “جائزة الشيخ متولي الشعراوي”، ويتمحور حول العوامل التي أدت أو ساعدت على قيام الحضارات والعوامل التي أدت إلى اضمحلال حضارات وإنهيارها، وخلصت فيه إلى عدة عوامل أسهمت في قيام الحضارات، تأتي في مقدمتها العقيدة كأولى العوامل المحفزة لإنشاء حضارة وأهمها، يليها الإنسان ثم العلم فالمقومات المادية اللازمة لقيامها.
الكتاب يرد عمليًا على مقولة كارل ماركس “الدين أفيون الشعوب”، ويثبت كذبها وزيفها.
* هناك صفعة لطيفة ممتزجة بابتسامة ظاهرة تخفي الشيخوخة العلمية المبكرة لأزمة تدهور اللغة العربية للناطقين بها .. كيف نُترك هكذا فريسة للعشوائية والحيرة؟ أين ضمير حُماة العربية؟
– اختلف معك في وصف حال اللغة العربية بالشيخوخة، فهي أغنى اللغات بتعدد مفرداتها ومرونتها، فاللغة لم تشخ ولكنها ككل كائن حي تعاني من ضعف محيطها، وقد كانت اللغة العربية أيام عز حضارة الإسلام قوية شامخة، فأقبل العالم عليها التماسًا لنتاجها العلمي والفكري، حتى أن الفيزيائي الفذ بيير كوري الحائز على جائزة نوبل قال: “تمكنا من تقسيم الذرة بالاستعانة بـ 30 كتابًا بقيت لنا من الحضارة الأندلسية، ولو لم تُحرق كتب المسلمين لكنا اليوم نتجول بين المجرات”، وبانحدار حضارة الإسلام وضعف أهله، فقدت اللغة العربية بريقها الذي كان يجذب الآخرين إليها، والأسوأ أن أهلها تجاهلوها واستبدلوها بها تعليم أولادهم غيرها من اللغات، فالعيب في أهل العربية لا في اللغة، إلا أن ما يحمي اللغة العربية من الاندثار، مثلما حدث للغات أخرى كونها لغة كتاب الله، مما يحفظها من الضياع لأن أي مسلم حتى الناطق بغير العربية لا يمكنه الصلاة إلا بها، والمولى – عز وجل – تعهد بحفظ كتابه، وهذا يعنى ضمنًا حفظ لغة الكتاب، فلا تخش عليها فهي باقية إلى يوم القيامة.
ولإعادة لغتنا إلى سابق تألقها اقترح عودة كتاتيب تحفيظ القرآن الكريم والتي كان لها قبلًا دور كبير في الحفاظ على اللغة العربية، وعدم تدريس اللغات الأخرى في الصفوف الثلاثة الأولى من مرحلة التعليم الأساسي، كي يمكن للنشء استيعاب لغتهم أولا وبعدها يمكنهم أن يدرسوا معها لغات أخرى.
* تتميز بالكتابة عن أدباء في قائمة النسيان كحامد طاهر، وابن نبانة المصري .. تحريض لطيف على المتابعة العادلة للجميع أم حنين لزمن فات؟
– كلا الأمرين، فمن حظي أني ولدت في جيل قارئ، جيل تعرّف على الكتاب وحرص على اقتنائه في سن غضة من عمره، في سن 10 سنوات بدأت ومعظم أبناء جيلي نقتني كتبًا لمكتباتنا الخاصة، بمصروفنا الذي لا يتجاوز قرش أو قرشين في اليوم، وأذكر أن بائعًا كان يقف بعربة كارو محملة بالكتب على ناصية ميدان يبعد 100 متر من منزلنا، وكان يؤجر الكتاب بنصف قرش ويبيعه بقرش، ومن خلال هذا البائع طالعت سلاسل جميلة “أولادنا” و “كتابي” و”روايات الجيب”، وغيرها من السلاسل الشعبية العظيمة التي قدمت روائع الأدب المصري والعالمي، ومن خلال هذا البائع وغيره تعرفت على شوقي وحافظ إبراهيم ومطران ود.طه حسين والعقاد والرافعي والمنفلوطي، وغيرهم من فطاحل الأدباء.
اليوم غابت عادة القراءة عن أبناء الجيل الحالي، فالقنوات الفضائية والإنترنت والألعاب الإلكترونية حلت بديلًا للكتاب، فلم يعد أحد يقرأ ، أبناء هذ الجيل لا يعرفون الأديب الشيخ عبد العزيز البشري أو رفيقه الشيخ البابلي، ولم يسمعوا عن عادل كامل صاحب “مليم الأكبر” والمؤسس الأصلي للحرافيش، الذي كان أشهر من محفوظ وحل قبله في مسابقة أدبية شاركا فيها، وبالتأكيد لا يعرفون علي محمود طه ولا محمود غنيم، والأدهى أن بعضهم لا يعرف عن “العقاد” سوى أنه اسم شارع شهير بمدينة نصر.. وهذا سبب آخر لمحاولتي إحياء من طوى الزمن ذكراهم.
والحقيقة أن السؤال الذي كنت أريد منك طرحه هو: ماذا تقرأ؟ ولماذا تقرأ؟ وكيف تقرأ؟ ولمن تقرأ؟
* من خلال عملك بالصحافة قمت بإجراء حوارات مع شخصيات متعددة .. هل هناك كواليس تثري المعرفة وتطمئن قلوبنا أن أصحاب المناصب وأعلام الفكر والمناصب لديهم جانب مختلف وزاوية أخرى عند التقرب منهم؟
– نظرة الناس للمثقف أو الأديب أنه مختلف نظرة خاطئة، فهو إنسان قبل أن يكون أديبًا أو مسئولًا، له ميزاته وعيوبه مثل غيره وليس صنمًا جميلًا أو سيئًا.
حين كان عمري 5 سنوات حين عرفت الشاعر الكبير صلاح عبد الصبور، إذ كان زميل لأخي الأكبر في التدريس، ويتردد على منزلنا قبل افتراقهما كل لعمل آخر، وكان إنسانًا خلوقًا محبًا للناس، ولي معه حكاية طريفة لا تتسع المساحة لذكرها، إذ منه كسبت أول قرشين بجهدي في سني تلك.
أذكر أيضا أستاذي في المرحلة الثانوية الشاعر د. سعد دعبيس وكان أول من وجهني لأسس النقد، والتقينا أثناء بداياتي بالصحافة الليبية، وقدمت عرضًا نقديًا لديوانه “أغاني إنسان” وكتابه “حوار مع الأيام”، وبرغم أني أشرت إلى سلبيات بالديوان والكتاب إلا أنه شد على يدي بأريحية فخورًا ومهنئًا.
والناقد الكبير الراحل د. أحمد كمال زكي، كان له فضل استكمال توجيهي، إذ التقيته مصادفة ودون سابق معرفة في صالة المطالعة بدار الكتب وكانت وقتها في باب الخلق، وأرشدني إلى المراجع التي احتاجها لكتابي الأول “تطور الشعر العربي في العصر الحديث”، وزاد بأن طلب مني إرسال البحث له قبل الطبع ليراجعه ويقدم له، وبالفعل نفذ ما وعد، وبعدها بعقود ألتقينا في مجلة الفيصل بالرياض حيث أعمل وكان أحد كتابها وتعانقنا، وعلمت أنه سيستقيل من جامعة الملك سعود لأن متطرفين من طلاب خربوا سيارته، وكان اللقاء الأخير معه.
وكتابي الأول عرفني على شيخ الساخرين الصحافي والأديب الراحل جليل البنداري، الذي أهديته الكتاب فأشاد بي في بابه الشهير “أنا والنجوم”، ولم يفته كعادته توجيه قرصة ساخرة للمشرف على الكتاب د.أحمد كمال زكي، كان جليل يرحمه الله من ملوك الضحك، قلبه قلب طفل ولسانه سكين يقطر سخرية.
أما الأديب الكبير يوسف السباعي فالتقيته بعمر 18 سنة لأهديه أول كتاب صدر لي، وكان يتميز بروح جميلة واستقبلني يرحمه الله ببشاشة وابتسامة عفوية غير متفعله، كان إنسانًا رائعًا بسيطًا محبًا للناس والخير، لا يفرق في تعامله بين كاتب شاب وأديب كبير، وكان لطيب مقابلته أثر كبير في نفسي، وما أزال إلى اليوم أذكره بالخير وتجلى ذلك عمليًا في أكثر من 10 مقالات نقدية كتبتها عنه.
ويظل لقائي مع أمير الرواية نجيب محفوظ من اللقاءات التي لا أنساها، إذ قدمني إليه كاتم سره الصديق الراحل الحاج محمد صبري السيد، ووجدت “محفوظ” هادئًا مهيبًا متواضعًا منضبطًا، يتكلم بإجمال على قدر السؤال، يقرأ ويتابع ما يقال عن كتاباته، ويتقبل النقد برحابة صدر مادام متعلقًا بشيء طرحه، ومنه تعلمت أن العمل متى طرح لا يعود ملكًا لصاحبه وحده بل يشاركه فيه القاريء، ولهذا على الكاتب تقبل النقد مادام طرح عمله علنًا، ومن أفضال الأستاذ عليّ أن كنت واحدا من قلة وافق على لقائها في بيته، إذ كان لا يستقبل الصحفيين عادة إلا في ندوته خارج البيت، كما وافق على حوار مع نجلي لمشروع تخرجه في كلية الإعلام، فكان أول وآخر حوار يجريه مع مشروع تخرج صحفي.
الشاعر الكبير أحمد عبد المعطي حجازي بدأت حواري معه بسؤال استنكاري لقوله بيت شعر له “الله والشيطان يصطرعان”، وكان من رأيي أن البيت لا يليق والتأدب في الحديث عن الخالق واختلفنا حول هذه النقطة، وانتهى الحوار حالما سمع السؤال الثاني: “يقال إن السلطة كان لها فضل إبراز حجازي الشاعر، لأنها في زمن الزعيم الأوحد لم ترد أن يكون صلاح عبد الصبور الشاعر الأوحد”، فقام وأنهى الحوار مؤكدًا أننا لن نتفق، وفي رأيي أن حجازي بدأ وانتهى شاعرًا بديوانه الأول “مدينة بلا قلب”.
الموقف الأصعب أن أديبًا راحلًا احتفظ باسمه احترامًا لذكراه اتصلت به لإجراء حوار للأهرام، فقال لي بالحرف الواحد: كم ستدفع؟، فاستغربت السؤال فاستطرد مستكملًا: أنت تقبض من أجل وقتك بعملك أليس من حقي أن أقبض من أجل وقتي الذي أقضيه في الرد على أسئلتك، وانتهت المكالمة بأن شكرته معتذرًا على الوقت الذي أضعناه معًا.
أما عن المسئوولين فألخص رؤيتي لهم كالتالي:
فاروق حسني كان لا يحبني ولا أحبه وخصصته بكتابي “ثقافة بوس الواوا”، فلم فيه الوجه المنشود لقيادة الثقافة المصرية بخاصة بعد إهانته الثقافة والمثقفين بمقولته “المثقفون دخلوا الحظيرة”.
د. جابر عصفور: شدني إليه في تعامله معي قبل وبعد توليه الوزارة أنه كان إنسانًا بسيطًا عفويًا غير متكلف، كما أعجبني مشروعه النقدي، لكنه حين ترك المنصب ومارس الكتابة العامة في غير تخصصه خسر كثيرًا ممن أحبوه واحترموه.
محمد الصاوي: لم يصنع شيئًا أو لم تتح له فرصة صناعة شيء، برع في الساقية وفشل في الوزارة.
د.عماد أبو غازي: ذكي ويملك فكرًا لكنه تولى وزارة يعشعش فيها الروتين والفساد وكانا أقوى منه، على المستوى الإنساني هو خلوق ومهذب وبسيط في تعامله.
د. شاكر عبد الحميد: من الشخصيات التي كان بإمكانها تقديم الكثير للثقافة، لكونه أصلًا باحثًا متميزًا، إلا أنه لسبب ما لم ينجز شيئًا.
د. صابر عرب: عمله الإداري أبرز من عمله الثقافي.
عبد الواحد النبوى: ألتقيته مرة واحدة ولم نتكلم ولم استرح له، فلم أسع لمعرفته.
حلمى النمنم: عرفته صحفيًا قبل أن أعرفه وزيرًا، صديق محترم ظلم نفسه بقبول منصب لم يضف له شيئًا.
إيناس عبد الدايم: جعلتني أتساءل هل توجد وزيرة أو وزارة ثقافة فعلًا؟
د. أحمد مجاهد: عرفته رئيسًا لقصور الثقافة ثم هيئة الكتاب، مجامل وذكي ومرن وجريء خسرته الساحة الثقافية، كشف لي في حوار معه في أواخر التسعينيات إن المخصص لتثقيف المواطن المصري 30 قرشًا سنويًا ونشرت ذلك في الأهرام.
* يحيى حقي له: قنديل أم هاشم ، والبوسطجي، ورجل وامرأة. تحولوا للشاشة المرئية .. هل العمل المكتوب تأثر إيجابيا أم سلبيا عند تحويله لدرامي ؟ وهل هناك قراءة شاملة ليحيى حقي من حيث تميز في القصة والرواية فقط أم مسيرته كانت بها المزيد؟
يحيى حقي أديب لم ينل حقه من الدرس، وأراه هو وليس د. يوسف إدريس سيد القصة المصرية، فقد أضاف كثيرًا من السمات الفنية إليها، وكان أمير الرواية نجيب محفوظ يقدره ويعتز به، وحين فاز بجائزة نوبل وسأله أحدهم عن الأديب الذي يستحق الجائزة وضع اسم “حقى” فى المقدمة، وأهدى له الجائزة باعتباره واحدًا من الأدباء العرب الكبار الذين يستحقونها عن جدارة..
والأعمال الأدبية حين تتحول إلى دراما لا يحاسب عليها كاتبها، لماذا؟ لأن الدراما عبارة عن رؤية المخرج للرواية أو القصة، وطريقته في عرضها ربما تختلف عن رؤية الكاتب كما هي واردة في العمل الإبداعي الكتابي.
ويحيى حقي لا يُدرك جله ما لم يُقرأ كله، وكتاباته ثرة ومتنوعة فإلى جانب القصص والرواية مارس التنظير للمسرح والنقد الأدبي والصحافة الأدبية، وكان مهتمًا بفتح المجال لشباب الأدباء في مجلة “المجلة”، وأدعوك لقراءة كتابه الممتع “كناسة الدكان” وسوف تعرف من خلاله الكثير عن هذا المبدع الفذ.
* انتشرت مقولات أن كرة القدم لإبعاد الناس عن قضاياهم المحلية والدولية .. مدى الاتفاق والاختلاف_ رغم متابعاتنا لاهتمامك بالرياضة الكروية وإبدأ آراء متجددة حول أخبارها.
_ أعتقد أن هذه المقولة ظهرت أول ما ظهرت مع نكسة1967م، ثم كررها د. مصطفى محمود عام 1990م، وقد تصح في أحيان لأسباب أمنية وسياسية قوية، لكن ليس إلى درجة إشغال الناس عن قضاياهم كلها، فهناك قضايا لا يمكن أن تلهي الناس عنها مثل ظروف الحياة والمعيشة وطلبات الأسرة، والرياضة مطلوبة وتشجيعها مطلوب على ألا يتجاوز الحد وتصير هوسًا.
*خالد منتصر ، إبراهيم عيسى ، سيد القمني ، إسلام بحيري .. أسماء شهيرة إعلاميًا .. سراب للعقول أم إفاقة ووعي لإعادة التفكير في الإسلام؟
_ لن اتحدث عن أسماء بعينها فالجميع تضمهم بلاعة مجاري ضخمة هي الإلحاد، والرد على هذا “الفقر” (بالقاف وليس الكاف) الإلحادي ينبغي أن يكون أولى اهتمامات الدولة وبخاصة الأزهر الشريف، فالإلحاد قضية أمن قومي، لأنه يصيب البلاد والعباد في صميم عقيدتهم، والتصدي له ضرورة للحيلولة دون انتشار أفكاره الهدامة.
الملحدون يتسللون إلينا عبر فضائيات تدخل منازلنا، ليصبوا سمومهم في عقول أبنائنا تحت زعم “التنوير” وإعمال العقل في المقدسات، برغم أن هذه المقدسات لفهمها يحتاج المرء إلى يقين إيماني، وليس إلى منهج علمي عقلي أو تاريخي لا يصلح لمناقشات غيبيات وخوارق ومعجزات.
من ذكرت يبيعون الوهم للغافلين، وتذكرني أعمالهم وكتاباتهم الخاوية من المضمون الصحيح برجل يُسمَى “أبو هند” زاره أبو نواس وقت الغداء فتركه جائعًا دون أن يضيفه، فأنشد أبو نواس قائلًا: