سامية خليفة لبنان
أحمد محمد أبورحاب مصر
مؤرخو الأدب يعدون (دون كيخوته) أو دون كيشوت فاتحة الرواية الأدبية الحديثة والمنعطف الحقيقى للأدب الأوروبي فى تأثره بالأدب العربى والقصيدة العربية والمقامات التى تعرف عليها الغرب فى الأندلس الإسلامية العربية التى كانت آنذاك ماتزال حية وحاضرة فى ذاكرة الأسبان الذين قضوا قرونا يحاولون الإستيلاء عليها جزء جزء
ولد ميجيل دى سرفاتنس سافيدرا فى مدينة القلعة أو التى حرفت فيما بعد إلى الكابل وكان مولده عام ١٥٤٧ ابنا لطبيب جراح حاول جاهدا الحصول على اعتراف الطبقة الراقية طبقة النبلاء به رغم أن والده سرفانتس يعتقد أنها كانت من أسرة يهودية تحولت إلى النصرانية بعد إستيلاء الأسبان على الأندلس وحاولوا تنصير أهلها أو طردهم سواء المسلمين أو اليهود.
ولا يعرف كثيرا عن سنوات سرفانتس الأولى إلا أنه كان رابع إخواته السبعة وأنه لم يتلق تعليمها كافيآ لكن بعض أشعاره الأولى نشرها فيما بعد أستاذه عالم الإنسانيات لوبير دو هويوز والتى يقال أنه كتبها فى ذكرى وفاة الملكة الإسبانية اليزابت التى طردت العرب من اسبانيا، وقد ارتحل فجأة إلى روما فى موكب لكردينال إيطالى حيث أشيع أنه ضرب رجلا وأصابة أصابة بالغة وعمل فى إيطاليا بالخدمة فى منزل أحد النبلاء، ثم التحق بالجيش الإسبانى وشارك فى معركة ليبانتو ضد الأتراك عام ١٥٧١ وأصيب بيده اليسرى وجبينه مما جعله فخورآ بجرحه طلبة عمره وشارك أيضا فى حملات إمبراطور النمسا فى نافارينو وتونس وحين كان عائدا عن طريق البحر إلى أسبانيا وقع فى أسر قراصنة عند الجزائر وبقى فى الأسر خمسة أعوام تخللتها أربعة محاولات فاشلة للهروب حتى افتدى بمبلغ كبير من المال وترك هذا الحادث أثرآ كبيرآ فى حياته وشخصيته وعاد إلى مدريد باسبانيا ليتزوج من كاتالينا دى سالا زار التى كانت تصغره بحوالى ٢٢ سنه وكان هو فى السابعة والثلاثين من عمره ثم لينشر روايته الرومانسية لا جالاتيا بينما كانت بعض مقطوعاته المسرحية تمثل على مسرح
مدريد التى غادرها الى الأندلس ليعمل فى خدمة القوة البحرية ارمادا الإسبانية بحلب المؤن له كما عمل فى تحصيل الضرائب وألقى فى السجن بسبب عجزه عن سداد الكفالة التى دفعت له فى الأسر وكذلك بسبب الغش لكنه فى عام ١٦٠٥ نشر الجزء الأول من روايته دون كيخوته فأحدثت لتوها صدى هائلا مما سمح له بالعودة إلى عالم الأدب فاستقر فى مدريد بعد عودة الملك فيليب الثالث واستطاع ترسيخ قدمه ككاتب كبير فى الأعوام التسعة الباقية فى حياته .
سامية خليفة لبنان
كثيرا ما يتأثر القارئ بكتابة ما لكاتب ما حيث أنه بطريقة أو بأخرى سيتأثر بشخصيات القصة وبفكرهم الذي هو بالأصل فكر الكاتب مترجما لفكر مجتمعه،فإما سيؤازره وإما سيناهضه، فكيف إن كان هذا التأثير أكبر من نقل كاتب لفكر أو رأي ؟كيف إن كان هذا التأثير ناجما عن نقلة نوعية سببتها نهضة فكرية شاملة ، فالقرن السابع عشر عصر التنوير الفكري والعلمي العقلاني عصر الحداثة الأدبية ،عصر تأثر فيه الغرب بحضارة الشرق التي كانت في أوجها وكان الغرب يغرق في ظلمة الجهل والحروب ،قبل بداية القرن التاسع كانت أوروبا وخصوصا في العصور الوسطى الممتدة بين عام ٤٠٠ وعام ١٤٠٠ تعمها الهمجية ويسودها الجهل فانتشرت النزعات الطائفية والحروب في حين كان الشرق في أوج ازدهاره التنويري .ولا بد أن يكون هناك أكبر تأثير لثقافة العرب على ثقافة الغرب خصوصا بعد التوسع الإسلامي بفتوحاته وضم إسبانيا إليه التي عرفت باسم الأندلس فاحتك الغرب بثقافة العرب بشكل مباشر
دون كيشوت شخصية تعكس صورة فارس يتحدى الظلم الذي كان سائدا في عصور الظلام فيجسد من خلاله الكاتب الإسباني ميخائيل دي سرفانتس البطل المنقذ وستأخذ حينها تلك الشخصية صورة بعيدة عن العقلانية التي فرضها العصر التنويري من خلال ديكارت والفيلسوف البريطاني جون لوك وغيرهما ليكون شخصية لاعقلانية في تركيبتها النفسية المندفعة العاطفية إنه الفارس الذي حطم أسطورة الفروسية الطبقية الأرستقراطية المتكبرة ليكون الفارس الذي يقدم خدماته المجانية للفقراء والمحتاجين والمظلومين فهو ينصف المظلوم بقوته وسلطته رغم أنه لا يمتلك أكثر من سيف وفرس إلا أن الكاتب منحه سلطة لكنها سلطة تقف مع الحق وتبقى رغم كل ما تصادفه وتجابهه شخصية تعكس الطيبة وتسعى جاهدة لتحقيق العدالة وتكريس دورها في نشر القيم والدعوة إلى مناصرة الفقير وكأنه يدعو إلى عالم مثالي .
وبعد كل ما تقدم سأطرح سؤالا مفتوحا لماذا أخذت تلك الرواية كل ذلك الرواج ولماذا تعتبر من بين أهم الروايات العالمية؟ هل بسبب ما قدمته للأدب من حداثة أم بسبب ما تحمله من خير للمجتمع أم بسبب أن شخصية دون كيشوت شخصية من المستحيل تواجدها في الواقع فبالتالي نرتاح دوما إلى ما ينقلنا من عالمنا الواقعي المشحون بالهزيمة والانكسار أمام مارد الطبقة الرأسمالية التي سيطرت بجشعها وأكلت الأخضر واليابس.