كَتبت إنچي قويطة
جميعناً نعلم معاناة المرأة المعيلة ونظرة المجتمع لها ولكن نعرف بشكل خاطئ .
إذنً منَ هي المرأة المعيلة ؟وما نظرة المجتمع لها ؟
المرأة المعيلة هي : المرأة المعيلة لنفسها أو لأسرتها : هي التي تتولى رعاية شؤونها وشؤون أسرتها ماديا وبمفردها دون الاستناد إلى وجود الرجل إذا كان “زوج أو أخ أو أب أو أبن” .
والمرأة المعيلة ليست جديدة في المجتمعات الإنسانية، بل توجد حالات كثيرة من بقاء المرأة بمفردها وإدارتها لعائلتها ولنفسها .
ولكن اتساع الظاهرة في عصرنا الحالي جعل المعنيين بشؤون المرأة يشيرون إلى أزمة جديدة عاصفة بالمجتمع البشري لها آثارها السلبية ليس على صعيد المرأة والأسرة بل المجتمع كله وللأسف الشديد .
ودائماً كانت المرأة هي أكثر العناصر الاجتماعية المعرضة للأذى فإن آثار هذه الظاهرة تصيب الكيان النفسي والبناء الذاتي للمرأة أولا ومن ثم انعكس آثار هذه الحالة على المجتمع بأسره .
وفي إطار هذا التعريف نوضح بأنه يوجد عدة شرائح نسائية منها :
1 – قد تكون المرأة المعيلة لنفسها هي امرأة متزوجة ولكنها فقدت زوجها فهي إما أرملة أو مطلقة أو مهجورة وربما كان الزوج موجودا ولكنه إما مريض وعاجز عن العمل وبالتالي عن الإنفاق الذي هو مسؤولية الرجل تجاه المرأة وهو أيضا حق المرأة على زوجها ، وقد يكون قادرا على الإنفاق ولكنه بخيل إلى درجة لا يؤمن معها الموارد الضرورية اللازمة لها وبالتالي تضطر المرأة للعمل من أجل إشباع الحاجات الإنسانية الأولى، وكان يُطلق عليها “أمرأة بلا معيل” ولكن هذه العبارة استبدلت لما تحمله من مشاعر الترحم والشعور بالنقص تجاه المرأة نفسها.
2 – قد تكون المرأة المعيلة لنفسها هي غير متزوجة أصلا ربما هي بقيت عانسا وألجأتها الظروف للعمل بعد أن فقدت المعيل “الأب والأخ” أو ربما تعيش أزمة مالية خانقة تضطرها للعمل من أجل القوت ، وهؤلاء النساء جميعًا باعتبارهن يتولين مسألة إعالة الأسر اللاتي بعهدتهن فإن صورة الأسرة الأحادية “التي يعيلها طرف واحد” ستكون ظاهرة واضحة في المجتمع، وإذا علمنا أن 70% من الأسر الأحادية في العالم تديرها نساء و30% فقط يديرها رجال “أرمل، مطلق، غير متزوج” أدركنا خطورة هذه الظاهرة الآخذة في الاتساع والتي شجعت الرؤى الغربية الخاطئة التي رفعت شعار “التعايش بين اثنين” بعيدا عن دائرة الزواج الشرعية.
وهنا استخرجت مشاكل المرأة المعيلة وهي كثيرة وتختلف باختلاف المجتمعات والعادات والتقاليد وظروف العمل ، وتعمل الظروف الحياتية على انتشار هذه الظاهرة ، وفي العام فمشكلات هؤلاء النساء تنقسم إلى
ثلاثة أقسام هي “المشكلات النفسية والاجتماعية والاقتصادية” التي سأوضحها لكم الآن :
1- المشكلات النفسية : حيث إن هؤلاء النساء على العموم يعانين من نظرات الترحم والإشفاق من قبل الآخرين والتي تجعلهن يشعرن بالذل والنقص أيضا حيث لا تطال هذه النظرة الأخريات ، وهذه المشاكل تولد أزمة ثقة بالنفس فهؤلاء النسوة يشعرن بالضعف شيئًا فشيئًا أمام العرف الاجتماعي المهاجم ،والضغوط النفسية التي تخلقها الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية الشديدة تؤدي إلى تعرضهن إلى كثير من الاضطرابات النفسية ويصبحن أسيرات العقد النفسية الأمر الذي يجعلهم يفضلن العزلة والتواري عن المجتمع أو اللجوء إلى “مسكنات” وهمية كالإدمان “بمختلف أنواعه” الأمر الذي يهدم الأرضية النفسية الصلبة القادرة على مواجهة الأحداث وهذا يولد حالات من الكآبة والقلق والخوف وقد يقودهم إلى الانتحار .
2- المشاكل الاجتماعية : التي تدور غالبًا في إطار العرف الاجتماعي والذي قد لا يكون متفقا مع الأصول الإسلامية فبالإضافة إلى ما سبق وأشرنا إليه في جانب الأعراف نجد هناك أعرافًا تجبر المرأة إما على الزواج السريع أو أنها تمنعها تمامًا من الزواج الثاني مثلا بحجة السمعة والخيارين لا يستطيع الرجل أو العشيرة البت فيهما فالأمر يعود إلى المرأة ذاتها فإجبارها على الزواج أو العنوسة أمر لا يتلاءم مع مفاهيم الشريعة التي منحت المرأة حق الخيار في الأمور الحياتية وأعطتها حق تقرير المصير خاصة إذا كانت ثيبًا ومن البديهي أن كلا الخيارين ماداما بعيدين عن إرادة المرأة فإنهما يتركان آثارهما واضحة على المرأة وعلى باقي أفراد الأسرة.. فقد تضطر العشيرة كمحاولة لإجبار المرأة على الزواج الثاني أن تحرمها من أولادها عبر إعادتهم إلى أسرة أو عشيرة الزوج ، وقد يهاجم العرف المرأة حتى في أمر السكن ، فهو لا يرضي أن تبقى الأرملة أو المهجورة أو العانس بمفردها في البيت والأمر قد يتضمن جانبًا صحيحًا في وجود المؤنس ولا راعي لهذه المرأة خاصة في حال عدم وجود متعلقين “أطفال وأشقاء” أو كانت كبيرة في السن غير أن اتخاذ أسلوب العنف مع المرأة أمر لا يستسيغه العقل وهو أيضًا يحدث تصدعات في البناء النفسي الذي نحاول ترميمه عبر الوسائل الإيجابية .
إقرأ المزيد
وتم عمل إحصاءات عالمية على هذه الحالات والنتيجة كالآتي :
تنتشر هذه الظاهرة في الكثير من دول العالم وهي في ازدياد، تصل نسبة هؤلاء النساء في أوربا وأمريكا من 15 – 20% وفي جنوب آسيا والدول الأفريقية 30% وفي لبنان 12% وفي اليمن والسودان 6،22% وحسب إحصائيات الأمم المتحدة فإن نسبة هؤلاء النساء في العالم كله 9،42% من أسر العالم .
3- المشاكل الاقتصادية : فمن اسم هذه الشريحة يتضح لنا أنها كانت تعتمد اعتمادا كليا على الطرف الآخر “الرجل” في الإعالة وبالتالي فهي لا تشمل المرأة العاملة التي اعتادت العمل قبل الزواج وبعده، مثلا كطريقة لتحقيق الذات والاستقلال الاقتصادي أو للاستفادة من الدراسة التعليمية التي أهلتها لهذا العمل ،وبالتالي فغياب المعيل المفاجئ يحدث أزمة اقتصادية واضحة تضطر المرأة للعمل في سن قد لا يصلح للعمل أصلا كما أنها في الغالب قد لا تملك المؤهلات الكافية للعمل من حيث اكتساب المهارات أو الشهادات العلمية المناسبة أو تعلم حرفة معينة، وبهذا يزداد الضغط النفسي المعزز بالشعور بالنقص مع الضغط الاقتصادي ويأتي العرف الاجتماعي مضاعفا لهذه الضغوط ، فقد ترفض العشيرة أو الأقارب عمل المرأة باعتبار أن هذا العمل يمثل انتقاصًا لهؤلاء ولسمعة العائلة والعشيرة الأمر الذي يجعل المرأة بين خيارين إما الرضوخ التام لهذه الأعراف ومعناه الحرمان من الموارد الحياتية الأصلية أو التمرد وهذا معناه زيادة الضغوط النفسية ، وأحيانا يقف العرف مهاجما لعمل المرأة وخاصة وان هناك محدودية للأعمال التي تمتهنها المرأة ومما يضاعف المشكلة أكثر أن هذه الأعراف تستهجن ذهاب المرأة إلى المؤسسات الحكومية أو الأهلية التي تقدم العون لهؤلاء النساء عبر القروض المادية أو التأهيل للعمل ، فهناك من يعتبر الذهاب إلى هذه المؤسسات لطخة عار كبرى تلحق بالأسرة والعشيرة الأمر الذي يصادر حتى حرية المرأة في العيش باستقلالية وثبات أكثر .
وفي نهاية الأمر سأقول ، إن أردنا أن تعيد ترميم هذه الظاهره :
لابد من تدعيم ثقة هؤلاء النساء بأنفسهن وتعزيز الشعور لديهن بأنهن قادرات على حل المشكلات وهذا يتم عبر برامج تربوية وتعليمية واجتماعية ، فمن الضروري منح هؤلاء التقدير والاعتزاز “خاصة أمام الآخرين” مع صمودهم وثباتهم في مواجهة أزمات الحياة وإزالة نظرات الترحم والإشفاق كما أنه يجب أن يكون هناك سعي حثيث لتعليم هؤلاء النساء المهارات الاقتصادية اللائقة للعمل وكذلك منح القروض المادية وإيجاد التسهيلات لحصولهن على العمل وإشراكهن في النشاطات الاجتماعية أمر له أهميته الواضحة فهو يخلصهم من الشعور بالوحدة والعزلة والكآبة والقلق كما أنه يجعل نظرة المجتمع لهم نظرة سليمة الي حد كبير .