شعر وحكاياتعاممقالات
أصحاب المعلقات الجزء الثاني
بقلم الدكتور/ أحمد عبدالحكم
جلسة مع طرفة
هو طرفة بن العبد بن سفيان من بني ضبيعة بن بكر بن وائل
ولد بالبحرين عام ٥٣٩ م وتوفي عام ٥٦٤ م هو أفضل الشعراء في القصيدة الطويلة وصاحب أطول معلقة لقب بابن العشرين والغلام القتيل فقد مات ولما يتجاوز السادسة والعشرين من عمره
أمه وردة اخت الشاعر المتلمس
مات أبوه وكان طرفة طفلا فحرمه أعمامه من الميراث فوصف ظلمهم بأبلغ بيت قالته العرب
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة
على النفس من وقع الحسام المهند
لم يجد حلا للخروج من حالة الاضطهاد والظلم إلا أن ينغمس فى الملذات واللهو وضيع ما بقى له من مال حتى حدثت جفوة بينه وبين أخيه معبد
ضاقت القبيلة بلهوه وتصرفاته فحكمت عليه بالإبعاد عن القبيلة فصور ذلك بصورة تهكمية يصف نفسه بالبعير الأجرب
اعتمد على الهجاء دفعا للخصوم وحماية لنفسه
تنقل بين ربوع الجزيرة إلى أن استقر به المقام فى الحيرة واتصل بالملك عمرو بن هند وصار نديمه إلى أن تطاول عليه ومشى بين يديه مشية فيها نزق الملوك وتهور الصعلوك وعربدة الماجن فنظر إليه عمرو بن هند نظرة كادت تبتلعه فقال خاله المتلمس : إنى أخشى عليك من نظرة الملك فقال طرفة :
ليت لنا مكان الملك عمرا
ثغاء حول قبتنا تخور
فوصف الملك بالبقرة فكان هذا البيت من الأبيات التى قتلت أصحابها
فحكم عليه الملك بالموت بعد أن أغراه وخاله بالجائزة وكتب لهما كتابين ووعدهما بالمال الوفير إن ذهبا بالكتابين إلى ملك البحرين فانصرفا ولكن المتلمس كان حكيما بحكم خبرته وتجاربه ففض الرسالة في الطريق فإذا فيها ” باسمك اللهم من عمرو بن هند إلى المكعبر ملك البحرين إذا قرأت الرسالة فاقطع يدى المتلمس ورجليه ثم ادفنه حيا ” فطلب المتلمس من طرفة أن يفض كتابه فقال : لا إن كان قد جرؤ عليك فما كان ليجرؤ على
فرجع المتلمس ناجيا وترك طرفة لتهوره
علق الذى أخذ الرسالة منهما
ونجا حذار حياته المتلمس
فلما وصل طرفه إلى ملك البحرين طلب الملك منه الهروب لما كان بينهما من نسب وأصر طرفة على فض الرسالة فإذا بها أمر بقتله فقال الملك : إني قاتلك لا محالة فاختر لنفسك ميتة فقال طرفة : اسقنى الخمر حتى أثمل ثم اقتلنى كيفما تشاء
ولا شك أن معلقة طرفة قد حوت بين طياتها أروع ما أنشد العرب
فقد عكست أفكاره وخواطره حياته وموته فيها أروع وصية كتبها لأمه
فإن مت فانعيني بما أنا أهله
وشقي علي الجيب يا ابنة معبد
ولا تجعليني كامرئ ليس همه
كهمي ولا يغني غنائي ومشهدي
فلو كنت وغلا في الرجال لضرني
عداوة ذي الأصحاب والمتوحد
وفى معلقته يلتقى الشعر الإنساني مع العواصف المتضاربة مع براعة التشبيه بين نفس شابة وقلب متوثب
بدأها بقوله:
لخولة أطلال ببرقة ثهمد
تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد
فيها أجمل بيت قالته العرب فى وصف الوجه النقي الصبوح
ووجه كأن الشمس ألقت رداءها
عليه نقي اللون لم يتخدد
وفيها أفخر ما قالت العرب :
إذا القوم قالوا من فتى خلت
أنني عنيت فلم أكسل ولم أتبلد
وإن يلتق الحي الجميع تلاقني
إلى ذروة البيت الكريم المصمد
وفيها أجمل ما قيل في وصف الموت حيث صور المنية تصويرا حيا
ألا أيهذا اللائمي أشهد الوغى
وأن أحضر اللذات هل أنت مخلدي
فإن كنت لا تستطيع دفع منيتي
فدعني أبادرها بما ملكت يدي
أرى الموت يعتام الكرام ويصطفى
عقيلة مال الفاحش المتشدد
لعمرك إن الموت ما أخطأ الفتى
لك الطول المرخى وثنياه باليد
وفى معلقته أصدق بيت قالته العرب:
ستبدى لك الأيام ما كنت جاهلا
ويأتيك بالأخبار من لم تزود
وفيها أجمل بيت قالته العرب فى اصطفاء الصديق
عن المرء لا تسأل وأبصر قرينه
فكل قرين بالمقارن يقتدي
وأخيراً بمقتل طرفة بن العبد فى ريعان شبابه وربيع عمره فقد عشاق الأدب العربى فحلا من فحول الشعراء وأصحاب المعلقات التى سميت بالصموت أى خيوط العقد
فقد أبدع صاحبنا فى وصف العناصر الحية التى عبرت عن حياة العرب بأطلالها وصحرائها وعن المرأة والصحب والظباء والناقة في إطار وحدة نفسية وفكرية مع الوضع فى الحسبان أنه أفضل من وصف عنصري الامتداد والحركة فى التركيب الكلي للصورة الشعرية من خلال استعمال الأفعال المتلاحقة لتأكيد عنصر الحركة وشحنها بظلاله النفسية
وإلى لقاء قادم بمشيئة الله تعالى مع زهير بن أبي سلمى