بقلم
د. نشوي كمال
لم يعد في وسعنا أن نجزم بأن التعلق هو حياه أو موت . ففي التعلق حياة نعتاد بها علي أن نطمئن بوجود من يجعلنا نطمئن ، فيأخذنا الأرتياح لشئ أو شخص أو وجه أو هدف أو عادة أو إحساس ، شئ فشئ حتي نذوق مرارة التعلق أو جنته . فهناك تفاصيل معينة تجعلنا نتعلق بشخص بعينه ب ( وجوده ، صوته ، أنفاسه ، أهتمامه ، عفويته ، كلماته وحتي لفتاته ) ، فيمر ب عالمنا أناس تواجدهم يبعث برائحة السكينة في أرواحنا فنطمئن وتهدأ أرواحنا ولا نريد أن نفقد هذا الحضور الكريم لتلك الروح الطاغية ، فيتغلغل فينا جذور التعلق شئ فشئ ، ولا نسلم من الأنهيار وربما الأنتحار لو تعرضنا لخطر فقدان صوت ألفنا حضوره وروح تعودنا علي عطاءها الكريم ورائحة حياة في صورة قلب ، ربما يستحق وربما لا يستحق كل هذا التعلق المميت ، فينسحب البساط من تحت قلوبنا ، وربما نفقد هويتنا وراحتنا ، وبعض منا قد يفقد عقله ، ربما وصل لمرحلة فقد فيها روح لا تكتمل نبضات حياته إلا بها ، رحلت فرحل معها النور وتشابكت الظلمات وتفتت الروح ولم تعد تقوي علي محاربة خلايا التعلق التي باتت تدغدغ في قلبه وتفقده الرغبة في الحياة ، فيفقد عقله وتوصد أبواب دنياه ، نهايه أبديه لمن يترك نفسه فريسه لمرارة التعلق ، فقد نتعلق لأننا نحب بالفعل ، وقد نتعلق لأننا تعودنا ، وقد نتعلق لأن هناك قوه خفية ليس لنا تدخل فيها تجعلنا نرتاح لروح دون الأخري ، قوة خفية أعتادت أن تؤلف بين قلوب دون غيرها ، فقد نعشق ونألف وجه أنسان لم نراه من قبل من مجرد صورة ونتعلق بملامحه تعلق ليس له سبب محدد ، ونري فيه ألفه وروح طاغية ، نعتاد علي رؤيته وربما نعشقه أيضا ، نجد في هذا الوجه الذي لم نلتقي به بعد جاذبية لم نقابلها في وجوه كثيرة نراها كل يوم فانطبعت روحه علي وجهه و تعلقنا بحنان وطيبة تسكن في عيناه .
للمزيد
فئه لا بأس بها منا يعلق نفسه بأهداف تمنحه القوه ليواصل الحياة وكثير منا يري في هذا التعلق شئ من الايجابية يستحق تحمل مسؤليه هذا التعلق ، فتعلقك بهدف يبعث فيك روح المثابرة وحب التعلم ، تعلق يبني دون أن يهدم ، تعلق يستحق منك كل الأحترام والمواظبة ، أختلفنا وأختلفت طبائعنا وأهتماماتنا وأولوياتنا وبات لكل منا أساليب للتعلق وأسباب للتعلق ، فمنا من يدمن حب الوالدين يتعلق قلبه بهم تعلق الروح بالجسد ، ومنا من أدمن شخص أحبه حد الأدمان ، ومنا من أدمن الإحتياج تعودت روحه علي الإحتياج عند الضعف فلا يفكر في شئ ولا يريد أي شئ بل ويشعر أن تلك اليد فقط ودون هذا العالم هي القادرة علي انتشاله من هذا الضياع ، ومنا من يدمن حب الخير فلا يتعلق إلا بالقلوب الممزقة وجعا والعيون المملوءة بالحاجة والبؤس فيدمن العطاء ولا يتعلق قلبه وفكره إلا بكل محتاج ، وكم يستحق هذا التعلق أن نثني عليه كل الثناء .
أحببت وتعودت فتعلقت فأدمنت التعلق ، دون أن تضع حدود لهذا التعلق ، فتمكن منك ، وأمتلكك ، وضعت بضياعه ونسيت أن من ترك نفسه وغرق في بحار التعلق بغير الله فزاحم حبا أخر حبه ، وتوهم فلان أنه لن يفقده أبدا وأنه في مأمن ، فأذاقه الله مرارة هذا التعلق بغير ذات الله ، فيتألم ويعود لفطرته السليمه لا شريك في قلبه ، غير حب الله ، ويبدأ في توزيع النسب كلا لما يستحق ، ويجد الحقيقه ، حقيقة أن التعلق بغير الله ظلمات وأن نور القلب وطمأنينة الروح في التعلق بالله وحده وإن زاحمه تعلق أخر ينزل بحسابات ومسافات ، فلا تقترب حد الإدمان ولا تبتعد حد الخسارة .
واعلم أنك يوما بعد يوم من صنعت بنفسك تمثال التعلق ، تعلقت به وهو لا يسمع ولا يري ولا يملك لك شئ ، فتنصهر تلك المسافات ، ويتركك الشريك للوحدة ، تتألم ويبدأ سم التعلق في الأنسحاب من جسد أنهكه التعلق ، فأهدم بيداك تمثالك الذي صنعته ليكون لك الهلاك ، ولا تعلق روحك إلا بذات الله ، وكل ما يستحق ، وأبدع في رسم الحدود والمسافات .
إقرأ أيضا