كتبت/ فاطمة عبدالحميد
أحياناً نمتلك من التصالح النفسي والسلام الداخلي ما يكفي لتقبُل ما بنا من عيوب بل والتعايش معها، ولكن لا يمنع ذلك أبداً رغبتنا وإصرارنا على تغييره إذا كان الأمر بالمقدور، خاصةً إذا وقفت تلك العيوب حائلاً أمام احلامنا، فحينها تقف دائرة الحياة التي مهما حاولنا جاهدين للسعي في إطارها لإحراز تقدم ننجرف إلى الخلف ونعود فيها إلى نقطة البداية، لذلك سوف نتطرق للحديث معكم في هذا المقال عن شخصية خفيفة الظل، فنان كوميدي رغم أنه لا يملك الرصيد الكافي لشهرته في مجال الفن إلا أن لديه اسماً نادراً عجيباً، والسبب وراء تسميته به أعجب وأغرب.
إقرأ أيضا
إنه الفنان الراحل لطفي عبدالحميد الذي عٌرِف في مجاله باسم “فتلة”، حيث تصادف أن يعمل في مجال الفن حينها ممثلان يحملان اسماً واحدا هو “لطفي عبدالحميد” وعندما باءت جميع المحاولات لإقناع أحدهما بتغيير اسمه بالفشل حتي لا يحدث أي تضارب أو مشاكل بسبب تشابه الأسماء، أصر الاثنان علي استمرار الوضع كما هو عليه، خاصة ان أحدهما يختلف عن الآخر بأنه بدين جدا جدا ولذلك أطلقوا عليه اسماً فنياً ساخراً هو “فتلة”.
وٌلد الفنان لطفي عبدالحميد زكي “فتلة” في 21 ديسمبر عام 1933،وتخصص بحكم ضخامة جسده في التمثيل الكوميدي وأصبح أحد أبطال فرقة “ساعة لقلبك” التي قدمت في الإذاعة أوائل عام 1953 البرنامج الشهير “ساعة لقلبك” والذي كان كل أبطاله ضمن قائمة نجوم الكوميديا في مصر بالمسرح والسينما والتليفزيون.
للمزيد
كان “فتلة” يحمل وزناً يعادل 290 كيلوجراما منها مائتي كيلو من الشحم الزائد الذي يلف جسده كله، فطالما سعى نحو حياة يتخلص فيها من القيود التي فٌرضت عليه بسبب وزنه الزائد، الذي كان يجهده ويقيد حركته ويؤثر علي أدائه، لذا قرر أن يسافر إلي أمريكا للتخلص من تلك المشكلة.
ولكن كانت مشاغله تحول بينه وبين ذلك القرار حينها حتي أٌتيحت له الفرصة ووجد نفسه خاليًا بلا عمل بعد أن هدموا له الملهي الذي كان يملكه ويديره تحت اسم «لاروند» علي هضبة الأهرام، فشعر أن آماله كلها دفنت تحت أنقاض ذلك الملهى، وبدأ الفراغ يقتحم حياته لأول مرة، فوزنه الزائد لا يمكنه من عمل أي شئ، وكان لا يغادر هضبة الأهرام التي جعل مكتبه وغرفة نومه بها داخل الملهي.
تعمق لطفي عبدالحميد بأفكاره وسرح بمخيتله وبدأ يفكر لما لا يعيش حياته بشكل طبيعي ويستمتع بها؟، وتساءل لماذا لا يستقر ويتزوج وينجب؟ وكان يحول وزنه الزائد دون كل هذا، فإذا تخلص منه تصبح الأمور ممكنة، فعزم الأمر بالتوجه إلي أمريكا لإجراء مجموعة من الجراحات، وتقدم بجواز سفره، وحصل علي تأشيرة سفر مفتوحة لمدة عام، وقام بتحويل المبلغ اللازم للعلاج من حسابه الخاص.
إقرأ أيضا
ولكن أخفى لطفي عبدالحميد “فتلة” ذلك الأمر عن أفراد عائلته باستثناء زوج شقيقته الأستاذ بكلية الزراعة، والذي كان شاهدًا معه علي حلمه بسياحة عالمية في مصر وقبل سفره اتفق مع أحد المكاتب الهندسية لبناء واحد من أضخم المشروعات السياحية إلى أن يعود للموقع ويرى مولد مشروعه الكبير.
وعلى صعيد أخر نصحه صديقه الطبيب بإجراء العملية في القاهرة بدلاً من السفر، وبالفعل لم يتردد لطفي كثيراً خاصة أن وزنه الثقيل يعوق دائما حركته، وكان يشفق علي نفسه من مشقة السفر والتنقل، فوافق علي إجراء العملية بالقاهرة، بعد أن طمأنه صديقه الطبيب بأن هذه العمليات تنجح في مصر، واتفق على أن تبدأ الجراحة وتستمر لأكثر من مرحلة، تبدأ بإزالة الشحم من منطقة البطن، ثم إزالة الشحم من الظهر.
إلى أن جاءت ليلة إجراء العملية وأخذ «فتلة» يروي لمن حوله قصة عمه الذي كان يعاني من وجود كيس دهني في ظهره، ودخل المستشفى لإجراء جراحة لإزالته، لكنه غافل الجميع وهرب من المستشفى ليلا، وتكرر الأمر مرة أخرى وهرب أيضا، وفي المرة الثالثة استسلم للعملية ومات أثناء إجرائها، وأخذ يروي تلك القصة أكثر من مرة، لكنه لم يستسلم للخوف ودخل المستشفى بحالة معنوية عالية، وعلى وجهه ابتسامة لم تفارقه.
كان لطفي يمتلك من القوة واليقين بالله والأمل ما يجعله يطلب من سائقه الخاص تجهيز السيارة ليقودها بنفسه بعد انتهاء العملية، وقال إن هذه أول مرة منذ زمن طويل يشعر برغبته في القيادة، وحان وقت العملية وخضع لطفي لمشرط الجراح الذي استغرق في إجراء العملية حوالي ساعتين، لكن غلبت مشيئة الله وإرادته في أن يسترد أمانته وتصعد روحه لبارئها، فلم يخرج من غرفة العمليات واستمر القلق حتى منتصف الليل، وفي حوالي الساعة الثانية صباحاً أعلنت المستشفى وفاة لطفي عبدالحميد زكي.
إقرأ المزيد
رغم قدر الله ومشيئته إلا أن جميع التقارير الطبية أظهرت أنه على مدار شهر كامل قبل الجراحة كانت حالة الفنان الصحية ممتازة، رسم القلب سليم، والضغط نموذجي، والنبض عادي، وكل الفحوصات طيبة ومرضية، لكن هبوطاً في الدورة الدموية لم يكن متوقعا، ولم يكن علاجه بالأمر السهل بسبب السمنة المفرطة، فالهبوط المفاجئ يحدث لأصحاب السمنة المفرطة عادةً ويتوفون بسببها.
وأخيراً توفي “فتلة” عام 1984 حاملاً حلمه في جواز سفر عليه تأشيرة دخول إلى الولايات المتحدة بتاريخ 14 ديسمبر 1981 ولمدة عام ، وعلى الجواز خاتم من البنك الوطني المصري، بصرف مبلغ 16 آلاف دولار من حساب حر بالنقد الأجنبي في 17-5-1982.