العقاب أم التوجيه ؟
جميع الأطفال يخطئون
دكتورة / إيمان الريس
من هذه المقدمة البديهية، ننطلق إلى أن جميع الأهل يتصرفون بشكل ما حينما يخطئ الطفل، لكن الفارق كبير جدا بين الأم التي تلجأ للعقاب، والأم التي تلجأ لتهذيب السلوك وتوجيه الشخصية، الفارق ليس فقط في وعى الأم وقدرتها على التصرف، بل في النتائج، ولا أقصد بالنتائج النتائج الفورية مثل امتناع الطفل عن السلوك السوء، بل النتائج الحقيقية الدائمة والأكثر أهمية وهى التغيير في شخصية وأفكار وسلوك الطفل.
فإذا أخطأ الطفل كأن ضرب أخاه الأصغر مثلا، وانفعلت الأم وعاقبت الطفل أوضربته أوصرخت فيه بعنف، ما هي الأفكار التي ستدور في رأس هذا الطفل؟ كيف يفكر وكيف يرى نفسه وكيف يرى أمه وكيف يشعر تجاه أخيه؟ سيشعر ربما بالغضب الشديد، ربما بالخزي، ربما بالخوف من صراخها وعصبيتها، بأنه أخفق في الحصول على حب أمه، بأنه يكره أخاه الذي سلبه حب أمه…!!! مشاعر سلبية وسيئة إلى أقصى درجة، وبالتأكيد سيكون لها آثارها السيئة على نفسيته وعلى سلوكه فيما بعد، حتى وإن امتنع وقتها عن ضرب أخيه! هل هذا هوالنجاح في التربية؟! هل العقاب آتى الثمار المطلوبة؟!
ولكن البديل الآخر ليس هوالتساهل مع الخطأ وترك الطفل يفعل ما يحلوله بدون تدخّل، بل البديل السليم هوالتربية القائمة على فلسفة تهذيب السلوك والتوجيه. الفكرة هي أن تدرك الأم أن الطفل لا بد من أن يخطئ من آن لآخر، وأنه لا يخطئ لأنه شرير أويرغب في إلحاق الضرر بالآخرين، بل لأنه تنقصه الخبرة المناسبة في التعبير عن غضبه أوعن رغبته بشكل مقبول.
فإذا ضرب الطفل أخاه الأصغر، تتجه هذه الأم نحوه وتخاطبه بحزم قائلة أن ما فعله خطأ، ولا ينبغي أن يتكرر مرة أخرى، وأنها تعلم أنه غاضب لأن الأخ الصغير كسر لعبته أومزّق رسوماته، وأن عليه بعد ذلك أن يطلب المساعدة من أحد الكبار إذا ما احتاج مساعدة، لكن من الخطأ أن نضرب أحد خاصة الصغار الذين لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم وقد يصابون بأذى.
هذه الأم أولا أوضّحت بحزم أن السلوك خاطئ وغير مقبول ولن تسمح بتكراره، ثانيا: تفهمّت دوافع الطفل وتعاطفت مع شعوره، ثالثا: وجّهته لما يمكنه فعله إذا تكررت المشكلة، رابعا: لم تجعل الطفل يشعر بالخزي وبمشاعر سلبية تجاه نفسه أوأخيه أوأمه، خامسا: وجّهته للتعاطف مع الأخ الصغير ومعرفة آثار السلوك الخاطئ الذي قام به الطفل على الآخرين، وهى خطوة مهمة في اتجاه تكوين ضمير الطفل وتمييز الصواب والخطأ.
أستعير هنا قول الكاتبة إليزابيث بانتلى المتخصصة في تربية الأطفال: من أين جئنا بالفكرة المجنونة أن شعور الطفل بالخزي والغضب والخوف سيحسّن من سلوكه؟!!
إلى كل أم وأب: غيّروا فلسفتكم التربوية، لا تربّوا أبنائكم كما تمت تربيتكم من قبل، فكروا في توجيه وتهذيب الشخصية والسلوك، لا في عقاب الطفل والتنفيس عن غضبكم.
السلوكيات الاجتماعية
يلعب الأطفال بهدوء ومرح، وبعد قليل تبدأ المشاحنات : دي بتاعتي، لأ أنا مسكتها الأول… وربما يتطور الأمر للبكاء أوللضرب.
الطفل بحاجة لأن يتعلم السلوكيات الاجتماعية المقبولة والمشاركة والتفاهم.
– القواعد الأساسية الهامة يجب أن تكون واضحة تماما للطفل وأن يتم تكرارها كثيرا بما يضمن استيعابه التام لها حتى تصبح جزءا من سلوكه، مثلا: ممنوع الضرب.
– في حالة حدوث مشكلة بين الأطفال، أحيانا قد يكون من الحكمة تجاهلها إن كانت بسيطة وسيستطيعون التوصل لحل، ولكن في بعض الأحيان يجب التدخل حتى لا يتطور الموقف للأسوأ أوحتى لا يتسلط أحد الأطفال أوأن يتم قهر أحدهم، وليس التدخل السليم هوحل المشكلة لهم، بل هوتعليمهم كيف يحلون مشكلتهم بأنفسهم. فلا يجب أن نطلب من الطفل أن يشرك الآخرين في اللعب معه، بل أن نعلمه كيفية المشاركة، كيفية النقاش والتفاوض والوصول لحل وسط إن أمكن، أوتبادل اللعبة أوأن يتشارك فيه اثنان باللعب بها معا في نفس الوقت.
– يفضل تعليم الطفل هذه المهارات في غير وقت المشكلة حتى يصبح أكثر استيعابا وهدوءا، كما أن التعليم يفضل أن يكون بشكل شيق وليس في صورة محاضرات، فمثلا نسأل الطفل عن رأيه في هذا الموقف: طفلان معهما سيارة واحدة، ما الحل؟، أوثلاث فتيات وعروسة واحدة.
– ليس من الحكمة إجبار الطفل على المشاركة، بل الأفضل هوأن يكتسب السلوك المرغوب تدريجيا حتى يصبح السلوك جزءا من شخصيته. فإذا رفض إعطاء لعبته لصديقه، نبحث عن أي لعبة أوأي شيء آخر للصديق، ثم نعلم الطفل المشاركة في مرات أخرى في غير وقت المشكلة.
– يجب أن نمنح الطفل الكثير من الفرص للعب الجماعي والحرص على متابعة سلوكه وتصرفاته لنتمكن من تحديد السلوكيات الاجتماعية التي تنقصه.
– من أهم المهارات التي يجب أن نعلمها للطفل التفكير في مشاعر الغير، فنسأله عن مشاعره هوأوالآخرين في مواقف مختلفة، ولفت نظره لمشاعر الشخصيات في القصص والأفلام ومساعدته على تحديدها ومعرفة سببها. كما يمكن أن نعرض عليه بعض الصور التي تمثل انفعالات مختلفة والنقاش حولها، ويستمتع الطفل كثيرا بهذه اللعبة إذا استخدمنا شخصيات المجلات المصورة التي يفضلها.
– لا تشر نهائيا للعيب في شخصية الطفل ( قائلا أنه أناني أومتسلط)، بل اجعل تركيزك منصبا على السلوك المرغوب وكيفية ممارسته.
– يجب الانتباه إلى أن تعديل سلوكيات الطفل قد يتطلب وقتا طويلا، لكنه عظيم الفائدة، فلا تيأس.