سامح عبده
“هو الذي أعطانا الضوء الأخضر لنحب.. فأحببنا، هو الذي شجَّعنا على أن نذهب لمواعيدنا.. فذهبنا، وهو الذي علمنا أن نكتُبَ على ضفائرَ حبيباتنا فكتبنا” كتبها نزار قباني واصفا حب عاصي الرحباني لفيروز.
ورغم هذا الحب، والتفاهم الكبير الذي جعل منهما مدرسة موسيقية خاصة، إلا أن هذا التناغم، الذي جعل من عاصي الرحباني عاشقا يعزف الحب على لسان حبيبته، لم ينتج عنه نجاح في حياتهما الخاصة. فعلى مستوى العمل، إذا كان الرحبانية حالة، كانت فيروز أيقونة هذه الحالة، فاجتماعهم معًا خلق هذه التركيبة الفريدة، والحالة الخاصة، فلازم عاصي الرحباني وفيروز بعضهما عملا، وحبا، وزواجا، إلى أن انفصلا بعد عدة سنوات.بعد زواجهما، ورغم أن فيروز شخصية مزاجية، بحسب ما صرح به أحد الرحابنة في حوار صحفي، إلا أنها كانت صبورة وطيعة مع زوجها عاصي، خاصة فيما يتعلق بالعمل والغناء.
فكان عاصي هو المسؤول عن كل شيء، وحمل على عاتقه صناعة هذه النجمة، وفي نفس الحوار الصحفي وصفه قريبه أنه كان “له شخصية صعبة ومولعة بإتقان التفاصيل، لذلك فكل الذين يعملون معه، ومنهم فيروز، كان عليهم تحمله، لكن على فيروز كان يقع العبء الأكبر، لأنها النجمة الأولى في الأعمال التي كان يقدمها الأخوان رحباني، ومن هنا جاءت قسوته معها”.
وقالت عنه فيروز في إحدى الحوارات الصحفية: هو “فنان عظيم وإنسان يمتلك نفسية طيبة مفتوحة كالكف الأبيض ولا حدود لعطائها”، وتابعت “عاصي كان ديكتاتوريا في الفن دائما، هناك قرار يجب أن يأخذه أحد، وهذا الأحد كان دائما عاصي، دائما كان هناك كلمة أخيرة في النص الغنائي والموسيقي والمسرحي والإخراجي، هذه الكلمة الأخيرة كانت دائما لعاصي”، مضيفة “كان المؤلف في أغلب الأحيان، وكان المقرر في كل الأحيان، سلطته لا يتجرأ أحد على أن يعترضها”.
أما عن قسوته في التعامل معها اثناء التدريبات وفي الكواليس، والتي تحدث عنها أناس كثر، فلم تلم فيروز عاصي عليها، قائلة: “طبيعة العمل كانت تفرض قسوته، وعلى الجميع كان يمارسها.. قد أكون أنا وعاصي على خلاف قوي في الكواليس إلا أنني عندما أخرج إلى المسرح وأبدأ بالغناء يتحول عاصي إلى عاشق”.
بدأ الفصل الأخير من حياته في عام 1972، عندما أصيب بنزيف دماغي، وكان يتم حينها التحضير لمسرحية “المحطة”، وبمرض عاصي، سنحت الفرصة أمام الابن زياد، والذي كان عمره آنذاك 17 عاما، للتلحين من كلمات عمه منصور، فكانت “سألوني الناس” بصوت فيروز، والتي جسدت حالة مرض عاصي، وغيابه لأول مرة عن عمل لهما في مقطع “لأول مرة ما بنكون سوا”.
وقبل أن يغيب عاصي عن الدنيا، وبعد فترة من الخلافات، وصل الزوجين إلى قرار الانفصال، وبالفعل انفصلت فيروز عن عاصي في 1978، وعاش عاصي المريض في رعاية بعض أقربائه، وكانت تلك هي نهاية عبق الرحابنة في أغاني فيروز، لتبدأ بعدها رحلة الابن زياد في تولي مهام التلحين لوالدته. وفي حفلٍ لفيروز بعد موت عاصي، كانت تغني “سألوني الناس”، وقيل إنها بكت عندما وصلت لمقطع “بيعز عليِّ غني يا حبيبي، ولأول مرّة ما بنكون سوا”.