كتب/
خطاب معوض خطاب
————————–
المصارع الذي أصبح “كروان التلاوة”
الشيخ محمود علي البنّا
الشيخ محمود علي البنا أحد أقطاب دولة التلاوة و علم من أعلام مقرئي القرآن الكريم في مصر و العالم ، و من المعروف أن مصر اشتهرت بأنها تضم أقطاب دولة التلاوة ، بل إنه من المعروف فىي العالم كله أن سلطنة التلاوة توجد بمصر ، و أن أمراء دولة تلاوة القرآن الكريم هم المصريون ، فمن ذا الذي ينازع الشيخ محمد رفعت في إمارته لدولة التلاوة ، و من ذا الذي يستطيع أن يصل لمنزلة و مكانة و تفرد الشيخ مصطفى إسماعيل ، و من ذا الذي يضارع أو يضاهي الشيخ عبدالباسط عبدالصمد في تمكنه من أدوات الإجادة في دولة التلاوة ، و من ينازع الشيخ محمد صديق المنشاوى صاحب الصوت الخاشع الباكي ، و من ذا الذى يحاول أن يصل لمكانة الشيخ الحصري صاحب المصحف المعلم ، و غيرهم الكثيرون من نجوم و أئمة و أعلام القراء المصريين ، الذين تزعموا صدارة المشهد بالنسبة لتلاوة القرآن الكريم في العالم كله .
و لأن مصر هي الأرض الطيبة التي احتضنت أئمة دولة التلاوة فقد أنجبت الكثيرين من القراء ، و كان لكل منهم ما يميزه عن الآخرين ، و من هؤلاء القراء الشيخ محمود علي البنا الذى اشتهر بلقب الكروان لجمال و عذوبة صوته و هو يقرأ القرآن ، و لقد ولد الشيخ بقرية شبراباص مركز شبين الكوم بالمنوفية في يوم الجمعة 17 ديسمبر 1926م ، حيث كانت أمه لا يعيش لها صبية فقد أنجبت قبله 4 صبية ماتوا جميعا ، و حينما ولد ابنها محمود وهبه والده للقرآن الكريم عسى أن تكتب له الحياة و لا يلحق بمن سبقه من إخوته .
التحق الطفل محمود ذو الخمس سنوات بمكتب الشيخ موسى لتحفيظ القرآن بقريته ، فحفظ القرآن الكريم كاملا قبل أن يبلغ ال12 من عمره ، و التحق بعدها بمعهد المنشاوي الديني بطنطا لأن معهد شبين الكوم رفضه لصغر سنه ، و انشغل الفتى الصغير بمتابعة المقرئين الكبار و محاولة تقليد أصواتهم مما أثر على دراسته ، فبينما تفوق في المواد المتعلقة بالقرآن و تجويده فشل في تحقيق النجاح في المواد الدراسية الأخرى ، فحول أوراقه إلى المعهد الأحمدي بطنطا المتخصص في دراسة و تعليم القرآن الكريم و علومه فقط .
حصل البنا على شهادة المعهد الأحمدي و انتقل للقاهرة حيث بدأ طريق الشهرة في تلاوة القرآن الكريم ، و حدث أن استمع بعض أعضاء جمعية الشبان المسلمين لصوت الشيخ الشاب فقدموه لرئيس الجمعية صالح باشا حرب الذي أقره في وظيفة مقرئ بالجمعية و ذلك في عام 1947م ، و الطريف أن الكاتب محمود السعدني قد ذكر في كتابه “ألحان السماء” أن الشيخ محمود علي البنا كان أحد أفراد فريق المصارعة بالجمعية ، و أنه كان يمارس هذه الرياضة كمحترف .
التحق الشيخ البنا بالإذاعة المصرية أواخر الأربعينيات ، حيث بدأ يأخذ مكانته وسط أساطين التلاوة في مصر و العالم الذين أشادوا بصوته و مخارج الحروف في قراءاته ، و عمل كقارئ للسورة في العديد من المساجد الكبيرة مثل الأحمدي بطنطا و الرفاعى و الحسين بالقاهرة ، و قام الشيخ بزيارة العديد من دول العالم قارئا للقرآن الكريم ، حيث كانت تتجمع حوله الجماهير الغفيرة لتستمتع بطريقته الخاشعة المميزة في التلاوة .
تم إختيار الشيخ البنا كوكيل لأول مجلس لنقابة القراء المصريين ، و تم منح اسمه وسام الدولة للعلوم و الفنون ، اشتهر الشيخ البنا في العالم كله و رغم ذلك كان يؤثر عنه التواضع الجم و عدم التكالب على الدنيا ، فرغم شهرته العريضة إلا أنه كان يعرف عنه الكرم و الجود و حب عمل الخير ، فيؤثر عنه أنه كثيرا ما أحيا مآتم للفقراء دون مقابل ، كما أنشأ مجمعا إسلاميا في مسقط رأسه يتكون من مسجد و دار لتحفيظ القرآن و مكتبة ، و رحل الشيخ عن دنيانا يوم السبت 20 يوليو 1985م بعد أن ترك لنا ختمتين احداهما مجودة و الأخرى مرتلة للقرآن الكريم تتم إذاعتهما عبر إذاعات العالم كله .
المصادر :
مجلة آخر ساعة إصدار 23 أغسطس 2011م .
مجلة الهلال إصدار شهر يوليو 2014م .
كتاب ألحان السماء لمحمود السعدني .