عاممقالات

جنوح الأحداث مشكلة وطن و مسؤولية جماعية !!

جنوح الأحداث مشكلة وطن و مسؤولية جماعية !!

كتب بشار الحريري : 






تعد مشكلة جنوح الأحداث وارتكابهم الجرائم من أهم وأعقد المشكلات الاجتماعية التي تواجه أوطاننا و مجتمعاتنا العربية و جميع دول العالم سواء أكانت هذه الدولة متقدمة أم متخلفة، حيث تعرض حياة أجيالها الصاعدة لخطر كبير .






الأمر الذي يفرض مسؤولية جماعية في مواجهة هذه المشكلة سواء على صعيد الأسرة الصعيد الحكومي بكافة مؤسساته أو على صعيد منظمات المجتمع المدنية بمختلف مجالات عملها و خاصة القانونية و الثقافية و التوعوية ….الخ .




وتتبدى خطورة ظاهرة جنوح الأحداث من خلال : 


أولا – خطورتها على المجتمع : فجنوح الأحداث يعود بالضرر على كيان المجتمع وأمته كإجرام الكبار على السواء .حيث يعود الضرر على أفراد المجتمع وسلامتهم وأعراضهم وأموالهم وأمنهم وطمأنينتهم .وإذا بدأ الحدث حياته بارتكابه للجرائم فإن الخطر شديد ذلك كونه نشأ على الجريمة واعتاد عليها،فيصبح من العسير إصلاحه وهو بالغ راشد . 

ثانيا – خطورتها على الأحداث :فالأحداث هم رجال المستقبل وأمل الأمة،وجنوحهم ينعكس سلبا على أنفسهم وعلى المجتمع .فبدلا من أن يسهموا في بناء الوطن وتقدمه وازدهاره،يصبحون عالة على وطنهم وذويهم مما يؤدي إلى خسارة المجتمع لخامات وطاقات بشرية وعقول مبدعة تسهم في دفع عجلة التقدم والتطور والرقي إلى الأمام . 
وهنا نجد السؤال الملح الذي يطرح نفسه :ما هي الأسباب والعوامل التي تؤدي إلى جنوح الحدث؟؟ – اجمع الباحثون والمتخصصون في هذا المجال على جملة من العوامل التي تدفع الحدث إلى هاوية الجريمة بعضها خاص بشخص الحدث وبعضها الآخر خارجي عنه اجتماعي أو اقتصادي تتعلق بالوسط الذي يعيش فيه الحدث .
1 – الأسباب الخاصة بشخص الحدث : نجمل هذه الأسباب بــــ : – اضطرابات النمو لدى الحدث . – العاهات . – الأمراض العقلية والنفسية والبدنية . – الانحرافات الجنسية . فكل هذه العوامل قد تؤثر على سلوك الحدث اجتماعيا وعلى تصرفاته وتدفعه إلى ارتكاب الجريمة.
2 – الأسباب الخارجية(الاجتماعية والاقتصادية). فالإنسان ابن بيئته .وتأثير البيئة واضح وكبير على سلوك وتصرفات الإنسان.وخاصة العوامل الاقتصادية والاجتماعية التي تتفوق على غيرها من العوامل الأخرى التي تؤدي إلى الجنوح لدى الحدث فالجانح مصنوع لا مولود وإجرام الصغار يصنعه الكبار . والحدث المنحرف هو غالبا ضحية وسط اجتماعي سيء .
جنوح الأحداث مشكلة وطن و مسؤولية جماعية !!


أ – الوضع الاقتصادي :

 إن الفقر قد يكون حافزا على النجاح والتفوق وقد يكون على العكس تماما حافزا على الانحراف والجريمة. فالفقر يعني المعيشة السيئة الرديئة الحقيرة.ويعني سوء التغذية والعلاج والجوع والعري . الأمر الذي يؤدي في أغلب الأحيان إلى تفكك الروابط العائلية و إلى القلق واليأس مما يؤثر على حالة الحدث الجسمية والنفسية والتربوية والثقافية وبالتالي إسقاطه في بؤرة الانحراف . 
ولكن الفقر بحد ذاته ليس كافيا للانحراف فقد يرتكب الجريمة أناس ليسوا بفقراء ينحدرون من طبقات مترفة . مما يعني أن الانحراف ينشأ عن سوء الرعاية الذي يلازم الحياة الفقيرة عادة والتي تسهم معه في جنوح الأحداث والتي تتمثل بالعامل الاجتماعي . 

ب – العامل الاجتماعي :

1َ – تفكك الأسرة : ويتمثل هذا العامل بانحراف الوالدين أو أحدهما أو انحراف أكبر الأبناء أو البنات أو احدهما حتى يستمريْ الانحراف ويصبح ارتكاب الجريمة بالنسبة للحدث أمرا مقبولا ومستساغا. وينطوي تحت هذا العامل أيضا الإسراف في التدليل واللين أو الصرامة والقسوة أو التهاون وعدم الاكتراث من جانب الوالدين أو أحدهما . كل ذلك يؤدي بالحدث إلى الجنوح وارتكاب الجرائم .

2ً – الصحبة السيئة .

3ً – وسائل التسلية والإعلام : السينما – المسرح الصحافة المرئية والمسموعة والمكتوبة والكتب …….الخ. 
كل هذه الوسائل إذا لم تكن قائمة على أسس سليمة في طريقة ومضمون ما تعرض فإنها تؤدي إلى انسياق الحدث وراء الجريمة. ويحدث هذا نتيجة إبراز المنحرفين والمجرمين بمظهر لبطولة والقوة والشجاعة مما يؤدي إلى تغيير في القيم الاجتماعية لدى الأحداث وخاصة المراهقين منهم فيندفعون وراء الجريمة حبا في التقليد . 
ويعتبر هذا العامل من أهم العوامل اليوم الذي يؤدي إلى جنوح الأحداث نتيجة لما نتعرض له من غزو ثقافي في قيمنا وأخلاقنا وعاداتنا الأصيلة وهويتنا العربية . مما يحتم علينا مجابهته ومقاومته بكل الوسائل والسبل المتاحة .
4ً – الفراغ والبطالة والعمل غير المناسب : فشروط العمل غير المناسب والأشخاص الذين يعملون مع الحدث كثيرا ما يكونون مصدر خطر معنوي وأخلاقي جسيم عليه إذا ما وجهوه توجيها سيئا نحو الرذيلة حيث ينتهي الأمر به في الغالب إلى الانحراف وارتكاب الجريمة . هذا فضلا عن دور اللهو والحانات التي تلعب دورا هاما في انحراف الحدث .
وبرأيي أن سببا واحدا من الأسباب السالفة الذكر غير كاف ٍ لجنوح الأحداث فلابد من تضافر أكثر من سبب حتى يتحقق الجنوح .
كما أن السقوط في هوة الجريمة متعلق بمدى استعداد الحدث الشخصي لذلك . 
بعد كل ما تقدم من استعراض لأسباب وعوامل جنوح الأحداث يجب أن نطرح على أنفسنا سؤالا هاما :
لِمَ لجنوح الأحداث من خطر على أمن وسلامة المجتمع ككل ؟ و ما هو العلاج الناجع و المناسب لهذه الظاهرة الخطيرة ؟

ثالثا – علاج ظاهرة جنوح الأحداث :

أ – الوقاية قبل وقوع الجريمة : يحتاج ذلك إلى تضافر كافة الجهود عامة أو خاصة ابتدأً من الفرد وانتهاءً بالدولة لتحسين ظروف الفرد والمدرسة والعمل من النواحي كافة المادية والثقافية والصحية . 
كل ذلك تطبيقا للحكمة القائلة (( الوقاية خير من قنطار علاج)). والوقاية نوعان إما شخصية أو اجتماعية .

1 – الوقاية الشخصية : وتتم وفقا لما يلي : – 

تأمين جميع ما يلزم لسلامة الحدث بدنا وعقلا وخلقا وفتح المجال أمامه للحصول على درجة معقولة من التعليم النظري أو الفني والمهني .
– إنشاء عيادات نفسية غايتها تشخيص حالات الأحداث المرضية أو اللا اجتماعية ومعالجتها . 
– تنمية الروح الرياضية والاجتماعية لدى الأطفال .
جنوح الأحداث مشكلة وطن و مسؤولية جماعية !!

2 – الوقاية الاجتماعية : وتتجلى في : 

– رفع مستوى الأسرة والعناية بحالتها باعتبارها الخلية الأساسية في المجتمع . 
– تقوية أسباب الصحة في المجتمع وإنشاء النوادي الرياضية وحدائق الأطفال وخاصة في الأحياء الشعبية المزدحمة بالسكان،وإنشاء دور حضانة الأطفال . 
– إنشاء المساكن الصحية وبأسعار بسيطة للطبقات الفقيرة في المجتمع . 
– منع النشرات والمجلات الفاضحة وخلق صحافة للأحداث من شأنها رفع مستواهم الخلقي ووضع سياسة إعلامية تلاءم الأطفال وترفع مستواهم الأخلاقي والرياضي والصحي والاجتماعي .
ب – الإصلاح بعد وقوع الجريمة : كيف نعامل الحدث الجانح بعد ارتكابه الجريمة هل نوقع عليه العقوبة ونعامله ذات المعاملة التي ينالها فاعل الجريمة البالغ أم تفرد له معاملة خاصة؟ وبتعبير آخر ما هي ردود الفعل الاجتماعية والقانونية تجاه الحدث الجانح ؟؟. 
لابد أن يكون رد الفعل الاجتماعي تجاه الحدث الجانح إنسانيا،وأن تعتمد السياسة الجزائية على شخصية الحدث لا على مجرد الفعل الجرمي الذي اقترفه الحدث (الجريمة) مهما كانت جسامته . فالعناية الإنسانية في معالجة جنوح الأحداث هي إصلاح حالة الحدث وليس توقيع العقوبة التي توقع عادة على البالغين من المجرمين . وهذه المعاملة الخاصة للأحداث الجانحين تستند للأسباب التالية :
1 – كونهم عدة الأمة وأمل المستقبل وكل الخطر أن يستشري الفساد والإجرام بينهم . 
2 – لأن ملكات الإنسان العقلية والفكرية لا تنضج دفعة واحدة وإنما تدريجيا ويحتاج ذلك إلى وقت طويل . 
3 – تدابير الإصلاح تتناسب مع هذه السن .
فالحدث يكون فيها لين العريكة ، سهل الانقياد والتجاوب مع تدابير الإصلاح . في حين أن المجرم البالغ صعب الانقياد والتجاوب وقد يستحيل إصلاحه إذا اعتاد الإجرام . 

وخاتمة القول :

 أرجو العلي القدير أن أكون قد وفقت في تقديم أكبر قدر ممكن في هذه العجالة فيما يتعلق بجنوح الأحداث وإصلاحهم ،علها تكون صرخة مدوية لدى كل أسرة في الانتباه لأطفالهم وراعيتهم الرعاية الصحيحة السليمة وبذلك نؤدي واجبا إلهيا وبعده وطنيا في تحصين أولادنا أكبادنا من الوقوع في طريق الرذيلة مما يسهم في صلاح المجتمع وبناءه البناء السليم .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock