كتبت نجوى السيسى
تتعدد القصص الملهمة التى أثرت في حياة البشرية على مر العصور، إلا أن هناك بعض القصص التى ربما لن يتوقف عندها التاريخ ولكن ستظل الإنسانية تذكرها دوما بكل الخير ومنها قصة الملياردير المصرى صلاح عطيه الذى استحق عن جدارة لقب ملياردير الغلابة، ومع ذلك لم يبتغ شهرة ولم يبحث عنها وليس له أى ظهور إعلامى.
البداية
كانت البداية فى السبعينات فى قرية تفهنا اﻷشراف التابعة لمركز ميت غمر بمحافظة الدقهلية. بعد تخرج المهندس صلاح عطية من كلية الزراعة كان يريد أن يبدأ حياته العملية بمشروعه الخاص ولكنه مثله مثل الكثير من الشباب كان يعانى من فقر شديد، ولكنه لم ييأس فبحث عن شراكة ووجد 8 شركاء ليصبحوا 9 شركاء. وأرادوا أن يكون لهم شريك عاشر وبحثوا عنه إلا أنهم فوجئوا بالمهندس صلاح عطية يقول أنه وجد الشريك العاشر. وعندما سألوه من يكون؟ فأجاب بأن الشريك العاشر هو صدقة جارية ننفقها فى أوجه الخير المختلفة لوجه الله تعالى، على أن يكون للشريك العاشر عشر أرباح مثله مثل كل واحد منا.
جاهد الشركاء فى تجميع المال اللازم لبدء المشروع وبالفعل نجحوا فى تجميع المال بجهدهم وبدأ مشروع الشركاء العشرة وكان عبارة عن مشروع للدواجن.
مرت الدورة اﻷولى للمشروع بنجاح منقطع النظير حيث حقق المشروع أرباحا هائلة، ولذلك قرر الشركاء التسعة أن يزيدوا نصيب الشريك العاشر ليصبح 20% بدلا من 10%. ثم مرت الدورة الثانية للمشروع بنجاح منقطع النظير وأرباح طائلة أيضا مما دفع الشركاء التسعة إلى زيادة حصة الشريك العاشر إلى 30%. ثم مرت الدورة الثالثة للمشروع أيضا بنفس النجاح المبهر واﻷموال الوفيرة مما دفع الشركاء التسعة إلى زيادة نصيب الشريك العاشر مرة أخرى إلى 40%. ثم بعد الدورة الرابعة حدث نفس الشىء وزادوا نسبة الشريك العاشر إلى 50%.
كيفية إنفاق حصة الشريك العاشر (الصدقة الجارية)
تعددت أوجه الخير التى كان يتم إنفاق أرباح الشريك العاشر فيها ولكن كان أولها الإستثمار فى التعليم لإيمانهم بأهمية العلم كمايلى:
أولا الإستثمار فى التعليم
تم بناء 6 معاهد أزهرية، 3 للبنين و 3 للبنات فى مراحل التعليم المختلفة حيث تم إنشاء معهد ابتدائى للبنين ثم معهد ابتدائى للبنات، ثم معهد إعدادى للبنين ثم معهد إعدادى للبنات، ثم معهد ثانوى للبنين ثم معهد ثانوى للبنات.
بعد بناء المعاهد اﻷزهرية الستة تم التفكير فى فتح فرع لجامعة اﻷزهر بالجهود الذاتية، وتقديم طلب لإنشاء الكلية بالقرية ولكن الطلب تم رفضه ﻷن تفهنا اﻷشراف قرية ولا يوجد بها محطة سكة حديد وأن الكليات لا تكون إلا بالمدن. ولكن الشركاء الذين لم يعرفوا يوما معنى اليأس تقدموا بالطلب مرة أخرى ولكن مع إرفاق طلب آخر بإنشاء محطة سكة حديد. وفى هذه المرة تم قبول الطلب.
كان الإصرار على النجاح وعدم اليأس من روح الله والحرص على فعل الخير ابتغاء مرضات الله الكريم سببا فى إنشاء أول كلية فى قرية على مستوى جمهورية مصر العربية، وكانت هى كلية الشريعة والقانون فرع جامعة اﻷزهر.
لم يكتف المهندس صلاح عطية بذلك وإنما أنشأ الكلية تلو اﻷخرى حتى تم إنشاء 4 كليات تابعة لجامعة اﻷزهر، وهى على التوالى: كلية الشريعة والقانون، كلية التجارة بنات، كلية أصول الدين، كلية التربية.
لم يكتف المهندس صلاح عطية بإنشاء الكليات فحسب وإنما قام بتقديم خدمات للطلاب وهى:
– توفير أماكن لإقامة الطلاب المغتربين فقام ببناء بيوت للطلبة والطالبات حيث تم إقامة بيت للطالبات يسع 600 طالبة وبيت للطلاب يسع 1000 طالب فى قرية تفهنا اﻷشراف.
– أصبح لكل طالب بالكلية تذكرة مجانية لركوب قطار تفهنا اﻷشراف للتيسير على الطلاب.
ثانيا مساعدة الفقراء والشباب
– تم عمل بيت مال للمسلمين وبذلك لم يعد هناك فقيرا واحدا بالقرية.
– تم مساعدة الشباب واﻷرامل على عمل مشروعات خاصة بهم تكفيهم وتغني عن فقرهم.
– تم تجهيز بنات القرية المقبلين على الزواج.
– يوم تجميع الإنتاج يتم عمل هدايا عينية من هذا الإنتاج لتوزيعه على أهل القرية كهدية.
أعمال أخرى لصالح أهل قرية تفهنا اﻷشراف
– تم عمل لجان للمصالحة لفض المنزاعات التى تنشأ بين أهل القرية.
– فى أول يوم رمضان يتم عمل إفطار جماعى ﻷهل القرية يشاركوا جميعا فى تجهيزه.
نقل التجربة لقرى أخرى
قام المهندس صلاح عطية بنقل تجربة تفهنا اﻷشراف إلى قرية الصنافين بمنيا القمح بمحافظة الشرقية حيث تم بناء معهد دينى هناك بالجهود الذاتية، وتم جمع التبرعات وكان هو أول المتبرعين.
السياسة وشركاء الوطن
– لم يرغب المهندس صلاح عطيه يوما فى العمل السياسى برغم العروض التى عرضت عليه من الناس لدخول مجلس الشعب أو غيرها. وبرغم أنه كان سيتفوق على أى مرشح آخر نتيجة لشعبيته الطاغية ولكنه كان يرى أن العمل السياسى سيعطله عن العمل الخيرى الذى هو محور حياته.
– كان يؤمن أن الدين لله والوطن للجميع لذلك فقد تكفل بالإنفاق على أحد اﻷسر المسيحية.
إقرأ أيضا أحمد راتب ألوان فنية متعددة بطولة رائدة ثابتة
وفاته
كانت وفاته فاجعة لكل من عرفه ولكنه قدر محتوم على كل بنى آدم. وقد توفى فى 11 يناير 2016 عن عمر يناهز 70 عاما قضاها فى خدمة وطنه لوجه الله تعالى.
لم ينجب صلاح عطيه ولكن كان الجميع أبناءه. وكانت وصيته أن لا يحمل أحد نعشه خوفا على الناس من التدافع، وأن لا يقام له سرادق عزاء ولكن يتم إستضافة الناس وخدمتهم لمدة ثلاثة أيام، وأن لا تطلق عليه اﻷساطير أو أنه من أصحاب الكرامات.
وكما كانت سيرة حياته أسطورية كانت جنازته أيضا أسطورية فقد شيعه لمثواه اﻷخير مئات الآلاف من الناس، وبالرغم من ذلك لم يعرفه الإعلام إلا بعد وفاته نظرا لعزوفه عن الشهرة والظهور الإعلامى كما سبق التوضيح.
وقد نعاه الكثير من الشخصيات العامة وعلى رأسهم فضيلة شيخ اﻷزهر الإمام اﻷكبر أحمد الطيب.
مات صلاح عطيه بجسده ولكن سيرته العطرة وأسطورته لن تموت أبدا وستظل باقية فى قلوب كل من تعلم فى معاهده وقلوب الفقراء والمساكين وهذا هو الباقى الخالد ﻷى إنسان. رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته.