كتبت / ريما السعد
الأستاذ الجامعي الذي قبل يد تلميذه الملوثة بالفحم تعرف عليه
هو فارس الخوري الذي نال شهادة بكالوريوس في العلوم عام ١٨٩٧ من الجامعة الأمريكية في بيروت
دخل فارس الخوري السياسة من أوسع أبوابها، ومهدت له شخصيته الجذابة، وثقافته الواسعة المتنوعة له ذلك .
ساهم الخوري في تأسيس المجمع العلمي العربي
وهو مؤسس معهد الحقوق في دمشق ويعد أول نقيباً للمحامين .
و نظم فارس الخوري الشعر و أولع به، فكان شعره وطنياً تناول فيه القضايا العربية
كان أديباً ملأت منظوماته الشعرية وكتاباته الصحف السورية والمصرية إلا أن انشغاله في علوم السياسة والاقتصاد والعمل الوطني والقومي والعلمي جعله ينصرف عن الشعر.
وشارك الخوري في تأسيس الكتلة الوطنية، وكان نائباً لرئيسها يضع القرارات ويكتب منشوراتها، وكانت من أكثر الهيئات السياسة توفيقاً وفوزاً مدة قاربت العشرين عاماً.
ترأس مجلس الأمن الدولي عام (1947 _ 1948) و أصبح رئيساً له في آب( 1947) و ترأس المجلس النيابي السوري عام( 1936) و ( 1943)و رئيساً لمجلس الوزراء ووزيرا للاوقاف عام ( 1944 )
هو أول ممثل دائم لسوريا في الأمم المتحدة ، كان وزيراً للمالية والداخلية والمعارف وهو المدافع الشرس في الأمم المتحدة عندما ترأس الوفد السوري الذي كلف ببحث قضية إجلاء الفرنسيين عن سوريا
فارس الخوري في مجلس الأمن وماذا فعل؟
دخل فارس موعد الاجتماع الذي طلبته سورية من أجل رفع الانتداب الفرنسي عنها بدقائق واتجه مباشرة إلى مقعد المندوب الفرنسي لدى الأمم المتحدة وجلس على الكرسي المخصص لفرنسا فبدأ السفراء بالتوافد إلى مقر الأمم ولم يستطيعوا إخفاء دهشتهم من جلوس فارس الخوري في المقعد المخصص للمندوب الفرنسي تاركاً المقعد السوري فارغاً
وهو يعد أحد مؤسسي الأمم المتحدة وواضعي نظامها والعارف ببروتوكول المقاعد المخصصة والمعروف برجاحة عقله وسعة علمه وثقافته
دخل المندوب الفرنسي ووجد فارس يحتل مقعد فرنسا في الجلسة فتوجه إليه وبدأ يخبره أن هذا المقعد مخصص لفرنسا
ولكن فارس الخوري لم يحرك ساكناً بل بقي ينظر إلى ساعته
استمر المندوب الفرنسي في محاولة أخرى بإنه يجلس في مكان فرنسا ويجب تركها فوراً لكن فارس استمر يحدق في ساعته
بدأ المندوب الفرنسي ينفذ صبره وحاول التهجم على فارس الخوري لولا تدخل السفراء بينهم وعند الدقيقة الخامسة والعشرين قام ورد عليه الرد التاريخي
سعادة السفير ” جلست على مقعدك لمدة خمس وعشرين دقيقة فكدت تقتلني غضباً وخنقاً وقد استحملت سوريا سفالة جنودكم خمس وعشرين سنة وآن لها أن تستقيل ” وفي هذه الجلسة نالت سوريا استقلالها
ويذكر أنه استلم رئيساً لمجلس الأمن 1947 .. 1948 فكانت فلسطين في قلبه ، فتعالى صوته مرة آخرى في المجلس فوقف مرة ثانية وأحرج العالم وناقش عظماءه وجادلهم وأسمعهم جميعهم الرأي العربي بعروبة فلسطين ولكن العالم أصم أذنيه بسبب الدعاية الصهيونية ودعم الدول الغربية
إقرأ المزيد سحر الحياة في حوار خاص مع رهين المحبسين من العالم الآخر
فارس الخوري قصد الجامع الأموي
ويذكر أيضاً أنه في يوم أبلغه الجنرال غورو أن فرنسا جاءت إلى سورية لحماية مسيحي الشرق فما كان من فارس الخوري إلا أن قصد الجامع الأموي في يوم جمعة وصعد إلى إلى منبره وقال:
” إذا كانت فرنسا تدعي أنها احتلت سورية لحمايتنا نحن المسحيين من المسلمين ، فأنا كمسيحي من هذا المنبر
” أشهد أن لا إله إلا الله ”
فأقبل مصلوا الجامع الأموي وحملوه على الأكتاف وخرجوا به إلى أحياء دمشق القديمة وخرج أهالي دمشق المسيحيين يومها في مظاهرات حاشدة ملأت دمشق يهتفون ” لا إله إلا الله
لم يكونوا مسلمين ولا مسحيين ولكن كل أبناء الوطن وهذا المشهد الوطني تذكرته دمشق طويلاً
فارس الخوري استلم مهمة وزير الأوقاف
هو مؤسس معهد الحقوق العربي وساهم في تأسيس المجمع العلمي العربي والذي كان الأغرب في مسيرته أنه استلم وزير الأوقاف الإسلامية حيث قال عبد الحميد الطباع آنذاك قائلاً
” إننا نؤمن بك على أوقافنا أكثر ما نؤمن على أنفسنا”
نعم إنه الرمز السوري المضيء نموذج الإنسان المسؤول والساعي لخدمة المجتمع الإنساني بمعزل عن دينه
فارس الخوري الأستاذ الجامعي الذي قبل يد تلميذه الملوثة بالفحم
في إحدى محاضراته التي كان يلقيها في جامعة دمشق دخل طالب متأخراً عن المحاضرة فسأله ماهو سبب تأخرك ولكن الطالب ارتبك وتقدم من المنصة ليشرح للأستاذ بأن سبب تأخره
أنني أشتغل فحاماً في الليل لأحضر المحاضرات
عندها أمسك الأستاذ فارس يد الطالب وقبلها أمام الطلبة
رحيل فارس الخوري
رحل فارس الخوري في يناير 1962 عن عمر 85 عاماً قضاها في النضال وخدمة وطنه في الداخل والخارج
حزن وسواد على الشعب السوري ، نعم رحل صوت الأمة الحق
ولف جثمانه بالعلم السورس ووضع على عربة مدفع وشيع جثمانه في احتفال رسمي وشعبي مهيب
لكن كانت من أهم وصايا فارس الخوري التي تركها في ورقة
أن تتلى علي روحه آيات من القرآن الكريم وكان ذلك بعد تشيعه
وكبرت المآذن وأذاعت نبأوفاته بعدها أقيمت مجالس عزاء إسلامية ومسيحية في وقتٍ واحد توديعا وتأبيناً للراحل العظيم
فارس الخوري مناضلاً شجاعاً كان رمزاً من رموز الأمة والمدافعين عن حريتها واستقلالها الذين لم يغادروا ذاكرة تاريخ الوطن
كما كان رحمه الله من كبار رجال الفكر والأدب ، شاعراً وكاتباً وأديباً يهز المنابر بكلماته ويعبر عن نبض الأمة بكل صدق وعفوية
حيث ملأت منظوماته الشعرية وكتاباته الصحف السورية والمصرية إلا أن انشغاله في علوم السياية والعمل الوطني والعلمي جعله ينصرف عن الشعر ولا يقوله إلا في المناسبات
حينما منح جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية من قبل الرئيس جمال عبد الناصر
فالوطن يقدر رجاله العظماء ويسجل أسمائهم في ذاكرته وفي صفحاته