” رؤية الأنا “
قراءة نقدية كتبها
/سليم النجار
متابعة/لطيفة القاضي
صدر حديثاً رواية حَانَةُ فَوقَ التُّرابَ عن دار الأن للنشر والتوزيع للروائي قاسم توفيق ؛ رواية تتناول فلسفة ” الأنا ” من خلال تقنية التخيل وفي ذات الوقت توظف الواقع بعدا يظهر كمكان ؛ كمساحة ولن تنجو الرواية من هذا القدر المكاني إلا كفر مجرّد . فلا يستطيع الروائي قاسم توفيق ان يتخيل أي شيء في روايته دون المكان ؛ ولم يتصور طيلة كتابته نصه ان المكان يكون فارغاً ؛ ولكنه يبقى مكاناً ويفسح لنا مجالأً لننحت روحنا فيه …. جاء في الرؤيا : ( وإن لم يكن لهذا المصري وجود ولا يعدو غير خيال صنعه أبي وجعله قريته وسكنه حتى صار على يقين من انّه إنسان من لحم ودم ففي أبي سيكون خلاصي ايضّا ص١٦٩) .
ولأن هاجس ” المعلم ” في الرواية ترنيمة مقدَّسة في النص ؛ فقد ابدع في خلق شخصية ” الزمن ” أيٍ كان اسم هذا الزمن ؛ وكان توفيق يدرك تماماً انه بحاجة لخيال واسع في عالم ضيق ؛ هاجس ان يضيف للإنسانية ما يجعله خالدًا . فهو لايكتب الجميل من الكلام ؛ وإنما يكتب الذي لا ينسى ؛ قال : ( – إنّ الشاردة وحدها بلا رفاق من حروف أو كلمات هي سيدة الحروف متبدأهم وتشكلّهم ؛ وهي قسم الجلالة ” نون والقلم وما يسطرون ” ص٢٥٢ ) . ويظهر توفيق في النص مثلما يتبدَّى للمتلقي في صفحة ماء رائقة … تنظر للسطح للعمق أو العكس . وهذه رياضة فكرية ” ليس يفكّ طلاسمها غير الضالع بالأضواء ” بلغة ” مظفر النواب ” ؛ إلا ان توفيق ايقظ الجنون ليتشبت بالعقل … يحاول تخطّي اللغة لما وراءها … البحث عن حلمه ورؤاه ؛ : ( – الرب يقودها ؛ ألم تعلمنا بأنّ الرب يسكن في كلّ واحد منا ؛ هو الذي سيدلّها على باب كنيستك . كان ينهرني ويقذفني بالحجارة إن لم تنل مني عصاه . ص١٤٩ ) . وكما لا يخلوا اي خطاب روائي من الوظيفة الإشكالية ؛ التي تنمو في نوع العلاقات التي تنسجها الروابط وتصلها بوظائف اخرى فنية ؛ بلاغية ؛ تواصلية ؛ أيديولوجية ؛ غير أن هذه الوظيفة الإشكالية تبدو جلية في رواية ” حَانةُ فَوقَ التُّرابَ ” تبعّا لنوع ونمط المتواليات والأقوال والمقدمات والإشكاليات والعلاقات المنطقية والدلالية ؛ التي يبني بها المرسل خطابه الروائي ؛ بغرض التأثير والإقناع ؛ وتوجيه المتلقي نحو النتيجة المرجوة ؛ : ( مُنع كاهن القرية ميشيل إن هفت فوقه دموع المسيح ؛ من ان يضرب ناقوس عزلته وأن يقوم لصلاة نصف الليل إن حدث وجاءه حلم من صنع طبيعته الذكرية . ص١٥٥) . وعن طريق بناء علاقات سببية أو شرطية أو استلزامية تعارضية ؛ يسعى الكاتب قاسم توفيق ؛ ” الهيمنة ” التي توجه الخطاب الروائي ؛ والتي تتعمق وتتوسع وتتجذر بفضل عناصر ومقومات أخرى داعمة ؛ مثل : السياق التخاطبي ؛ والسياق العام ؛ ومقام التخاطب التي يتشكل فيها الخطاب ؛ ويعمل على توجيه مساره نحو وجهة إخبارية أو إشكالية ؛ : ( – سأقول انا لك ؛ بأنني أنا الغريب أو الأردني او أيّ إنسان يؤمن بالعدالة ؛ يؤمن أيضاً بأنّه ليس من اللائق ترك هذا الوطن للمحتلّ . ص ٣٩٠) .
إنّ الخطابات القائمة على اساس لغوي كلّها إشكالية ؛ وإنّ كانت مستويات ودرجات هذه الإشكالية ؛ تتمايز حسب المبادئ والمقولات والأدوات والمقدمات وأنماط الانسجام ؛ الذي يسمح بالحديث عن ” قوانين ” داخلية تحكم اللغة والخطاب ؛ وتؤدي إلى توليد استنتاجات خاصة بكل انجاز لغوي أو خطابى ؛ : ( القرارات العظيمة في حياتنا لا تحتاج إلى التفكير أو التأني فقد انتظرت طويلاً ؛ أربعون سنة مملّة وقاتلة لا حياة فيها ؛ واعدّ أيامّا تضاف إلى يوم ميلادي من دون أن أعيشها ؛ فماذا تبقّى لأخسره ؟ . ص٣١) . كما وظف الروائي قاسم توفيق المعنى المضمر ؛ ويريد به المعنى الخفي الذي يفهمه المتلقي عن طريق الإيحاء ؛ : ( – إنّ الله اعرف بعبيده ؛ ونحن لسنا بمثل علمه فما كان عليه هذا المسكين لم يكن دينّا فلا هو مسيحي عُمد في كنيستنا ولا مسلمًا عرفناه ممّا يقوله أو يفعله ؛ هذا غريب علينا مكشوف للربّ . ص ٣٩٧) . ويرى الكاتب ان المعنى المضر الذي وظفه في روايته يتميز بخاصية تتجلى في كونه معنى غير متعلق بالألفاظ تعلق المعنى المصرح به . ويرتبط عنده بما يعتمل او يختلج في ذات المخاطب من التفكير وشعور وفعل وأفعال ؛ : ( حتى اللحظة هل كان هذا العمر الجديد الذي وضعتني به مشوقًا وساحرًا فتعلّت به ؟ . ص ١٥ ) .
قاسم توفيق في روايته ” حَافَةُ فَوقَ التُّراب ” ؛ هي رواية الزمن الأسطوري سفر الخيال وسفر الحكايا وسفر اللغة والواقع خلفية لهذه الأسطورة
زر الذهاب إلى الأعلى