مقالات
من الذاكرة .. الحديث عن عُشبة شوكية يخرج من ورقها مادة كاللبن
عُشبة شوكية كنا نسميها "الرعيان"، وأحيانا"الرُّعريع"، وتُسمى فى الشام ب"شويكة مريم"، وتسمى أيضا بالشوك اللبنى
بقلم الكاتب : علي جنيدي
ومن غير علم مُسبق، كنا نتعامل مع الطبيعة، وكان العشق للأرض وما تنبتُ الأرض، سيمفونية متناغمة أحد مكوناتها الإنسان. على جوانب الطرق، والتِّرَعْ، والمصارف، وفى جوانب الحقول، وبالقرب من المستنقعات، والأماكن الرطبة المشمسة، تنمو عُشبة شوكية كنا نسميها “الرعيان”، وأحيانا”الرُّعريع”، وتُسمى فى الشام ب”شويكة مريم”، وتسمى أيضا بالشوك اللبنى، وقد سميت كذلك لأنك إذا قطعت ورقة من أوراقها وهى لا زالت طفلة تخرج من الآرض على استحياء، يخرج من ورقها مادة كاللبن.
يخرج من تلك العُشبة ساق تشخصُ نحو السماء، كما يشخصُ الداعى بوجهه عند الدعاء، وفى أعلى الساق تنشأ زهرة كالكأس، يخرج منها بتلات بلون أزهار الفل، ثم تتلون بلون بنفسجى ، ثم تبيض فى الصيف فى حر يوليو، ويصبح شكلها كفرشاة الحلاقة، وتجف الزهرة، وكذلك الساق، وتتحول إلى اللون البنى.
وهنا نبدأ رحلة القطاف، فنطوف على تجمعات تلك العشبة لنجذب هذه الشعيرات البضاء التى يكون فى آخرها بذور صغيرة باللون البنى، وهذه البذور بها عجينة كاللبن الرائب ولكنها مُرة الطعم. هذه البذور لها شعيرات كالبراجوت، فعندما تهب الريح تهتز تلك العشبة لتنفصل عنها تلك البذور، لنحملها تلك الشعيرات، وكأنها تأشيرة الدخول إلى السهول والوديان، تأشيرة الدخول إلى كل مكان من دنيا الرحمن.
هذه العشبة منتشرة فى كل دول العالم تقريبا، ولابد أن بها المثير من الأسرار، ومن تلك الأسرار أنها استخدمت في القرن السابع عشر لفتح انسدادات الكبد والطحال، وأوْصِىَ بها لعلاج اليرقان وحالات المنخوليا المصاحبة لتليف الكبد. واليوم هى المصدر الرئيسى لمادة السليمارين الذى يستخدم كعقار ينشط الكبد ويمنع من تليفة، وكذلك تدر الصفراء التى تساعد على الهضم.
بعد جمع مقدار معقول من بذور الرعيان، وجمعه غاية فى الصعوبة، نذهب إلى البيت ونأتى بالطاسة ونقوم بتحميص تلك البذور، وفى نفس الوقت نُذيب مقدارا من الملح فى فى قليل من الماء، ثم نقوم بسكب الماء المالح على تلك البذور، وتستمر على النار مع التقليب حتى تجف، لتكون بعد ذلك جاهزة للأكل كشىء مسل لذيذ. لقد كنا جزءا من الطبيعة، نعيشها، نتفاعل معها، وكم كنا سعداء وأصحاء، وما أصابنا الهم والغم والمرض إلا عندما انفصلنا عن الطبيعة، وسكنا تلك العمارات الإسمنتية الشاهقة.