كتب/خطاب معوض خطاب
حكاية “سمر” الفتاة الجميلة والبطلة المحاربة ووالدها “عبد المحسن” تستحق أن يتم تدريسها بالمدارس، ليتعلم منها أولادنا الصغار كيف تكون القدوة وكيف يكون المثل الأعلى، فهذا الرجل البسيط أصيبت ابنته بالشلل، فظل يحملها على كتفيه حتى حصلت على أعلى الشهادات الجامعية، وفي طريقها للحصول على شهادة الدكتوراة.
وسمر عبد المحسن عبد الباقي بنت محافظة بني سويف، هي تلك الفتاة الجميلة التي لا تغادر الابتسامة شفتيها رغم إعاقتها، والتي تتمتع بقوة وإصرار وعزم لا يلين على الوصول إلى أعلى المراتب والحصول على أكبر الشهادات الدراسية.
وولدت سمر منذ 26 عاما وكانت طفلة طبيعية كغيرها من الأطفال، ولم تكن تعاني من أي مرض، وما إن بلغت الثالثة من عمرها، حتى أصيبت بحمى شديدة أثرت بالسلب على أعصابهاوتم تشخيص حالتها في ذلك الوقت بأنها عبارة عن نقص حاد للكالسيوم في النخاع الشوكي وضمور في العضلات.
وظلت سمر لا تقوى على السير إلا بمساعدة من حولها حتى بلغ عمرها 12 عاما، وفي ذلك الوقت أصبحت عاجزة عن الحركة تماما، وتدهورت حالتها الصحية كثيرا، ولكن حالتها النفسية والمعنوية كانت عالية، فإن كانت قد أصيبت بالشلل في قدميها، فإن هذا المرض لم يمس طموحها وأحلامها، فلم تستسلم لليأس، بل أصرت على استكمال تعليمها، وذلك رغم إلحاح الكثيرين ومحاولاتهم لإقناعها بالتوقف عن الدراسة.
وصممت سمر على استكمال دراستها، فحصلت على الشهادة الإعدادية بمجموع كبير، والتحقت بالثانوي العام، ولحبها للعلوم التحقت بالقسم العلمي، وأجهدت نفسها كثيرا في التحصيل الدراسي والمذاكرة ولم تعتمد أبدا على الدروس الخصوصية، وحصلت سمر في الثانوية العامة على مجموع قدره 80%.
ولكن سمر لم تفرح بنجاحها أو بحصولها على هذا المجموع، حيث كانت تطمح في دخول كلية العلوم، ولكنها عزمت على تحقيق ذاتها، فالتحقت بكلية الحقوق جامعة بني سويف، وفي هذه الكلية حاولت سمر وحرصت على أن تظهر قدراتها وتثبت ذاتها.
وحرصت سمر يوميا على حضور المحاضرات في مبنى الكلية، رغم صعوبة حركتها حتى أنهت دراستها بالكلية وحصلت على الليسانس في سنة 2016.
نعم انتهت سمر من دراستها بكلية الحقوق، ولكنها لم تنته من محاولة تحقيق طموحاتها، ولا من قصة تحديها الذي اتخذته سمة لحياتها، فاستكملت دراستها العليا، وحصلت على دبلومة في القانون الدولي ودبلومة أخرى في القانون العام في سنة 2018، وهو ما يعادل حصولها على شهادة الماجستير، وها هي ذي حاليا تستأنف رحلة كفاحها لتحقيق طموحاتها وتحديها لإعاقتها، وتستعد لاستكمال رسالة الدكتوراة، حيث يكمن حلمها الأكبر بأن يحمل اسمها لقب الدكتورة سمر عبد المحسن عبد الباقي.
ووالد سمر هو عبد المحسن عبد الباقي الموظف البسيط بمحافظة بني سويف، والذي كان له الفضل الأكبر في نجاح ابنته، وتحديها لإعاقتها، حيث رفضت ابنته منذ بداية مرضها أن تكون حبيسة الجلوس على كرسي متحرك، رغم إلحاح الأطباء حتى لا تثير شفقة أو عطف أحد، وهنا ظهر دور والدها، والذي قام بأداء دور البطولة في حياتها.
وكما قيل فإن الأب هو أول حب وأصدق حب في حياة كل فتاة، وهو أول رجل في حياة ابنته، وافق الأب ابنته في رأيها، ولم يأت لها بكرسي متحرك حسبما طلبت، وقام هو بأداء دور الكرسي المتحرك، فكان يقوم بحمل ابنته على كتفه طوال سنوات دراستها في المدرسة، ثم قام بتسوية معاشه وتفرغ لها تماما، وجعلها شغله الشاغل، حيث تفرغ لرعايتها والذهاب بها إلى الجامعة، وانتظارها حتى تنتهي من محاضراتها ثم العودة بها للبيت مرة أخرى، رافضا أن يشاركه أحد شرف حمل ابنته، التي تحدت إعاقتها وفي طريقها لتحقيق ذاتها.
والجميل أن هذا الرجل الأصيل كان بصحبة ابنته إلى الجامعة في أحد أيام شهر رمضان، حيث كان لديها امتحان، وتصادف أن مصعد الجامعة كان معطلا، فقام هذا الرجل البطل بحمل ابنته الشابة على كتفه، وصعد بها سلالم الجامعة دون أن يستريح، حتى لا يفوتها الامتحان.
ودوما تنسب سمر الفضل فيما حققته من نجاح لأبيها بعد الله، حيث تقول: “إن والدي هو سر قوتي، وهو أهم شخص في حياتي، فهو ساقي ويدي وكل حياتي، ولولاه لما استطعت مواجهة ظروف مرضي التي ألمت بي منذ طفولتي”.
سمر أخيرا قبلت فكرة الجلوس على كرسي متحرك مع تقدم والدها في السن، وتقول إن والدها قد تعب معها كثيرا، وأنه قد آن له أن يستريح، وتستكمل رسالتها للدكتوراة كي تسعد والدها بنجاحها، وتشعره بأن تعبه لم يذهب سدى، وتقول سمر: “لو فعلت كل ما في وسعي لأرد لوالدي جزءا من فضله على حياتي فلن أوفيه أجره أبدا، فالفضل الأول والأخير يعود لله أولا ثم لوالدي”.
زر الذهاب إلى الأعلى