تطرح سها عبد الناصر ( الأخصائي النفسي المركزي بمديرية التضامن الأجتماعي بالقاهرة) سؤالا مضمونه من المنقذ ومن الجلاد ومن الضحية في دور الرعاية؟!
ثم تستهل بتوضيح وجهة النظر النفسية في تلك القضية! قضية اليتيم في المجتمع قضية شائكة جدا تشتمل على أجزاء كثيرة صغيرة لتخرج بمنتج كلي نراه حاليا بذلك الشكل السئ الذي لم نعلم فيه من المنقذ ومن الجلاد ومن الضحية.
فالجهاز الوظيفي أخص بالوظيفة المنوط بها ( الإدارة العامة) داخل دار الرعاية يرى أن الطفل اليتيم طفل فاسد بالفطرة لأنه نتج عن عملية اتصال بين أب وأم غير مشروعة لذلك فسلوكه السئ هو موروث وليس مكتسب فهم ليس لهم أي علاقة بشكل السلوك الذي أصبح عليه هذا الطفل.
ويرى أخر أن سلوك الطفل اليتيم جزء منها وخاصة العدوان والعنف تشكل نتاج فقدانه لأهم أشخاص في حياته فلم يهمه احد بعد ذلك لذلك فهو يسبب الشغب من أجل إثبات القوة الذاتية وأنه لم يفرق معه شيئا بعد ذلك. وأخرون يرون انهم فعلوا كل ما بوسعهم من تقديم أجود أنواع الطعام والملابس فماذا بعد ذلك يفعله؟! ومنهم من يقول لم نكن موجودين من قبل فالجهاز الوظيفي لم يعمل داخل الدار منذ البداية ولكنه استمر لمدة ٦ سنوات فقط ومن الصعب تغيير الأطفال في السن دا فنحن اخذناهم على سلوكهم فماذا بعد؟! ومنهم من يقول قائمة على رعايتهم وحريصة على تعليمهم وتنمية مهاراتهم وبحاول بأقصى جهدي يكونوا علي أفضل حال ولكن هذا بلا فائدة وبدون جدوى فهم لا يتغيرون وأخص بذلك الوظيفة المنوط بها ( الإشراف والاخصائيين).
ثم يقول الطفل هم من أذوني هم من عنفوني هم من سلبوا حريتي في التعبير عن رأيي هم من جعلوني اصير هكذا؟! ومن هنا نقع في فخ ( من المنقذ ومن الجلاد ومن الضحية؟؟) تتدخل وجهة النظر النفسية هنا لتوضح ما هي المشكلة ولماذا وصلنا إلى هذا الحد من السوء داخل دور الرعاية! ولأحلل كلا من الجمل السابقة التي رصدتها لكم.
فلنبدأ بوجهة النظر التي تقول جينات فاسدة موروثة! من أين جاءت هذه النظرة ولماذا نعتقد ان اليتيم جاء من اتصال غير شرعي فاليتيم من الممكن أن يكون من عائلة في قمة الاحترام ولديه أب وأم صالحين ولكن خطف منهم في صغره.
أو قد يكون من عائلة مرموقة جدا وفي صغره تعرضت عائلته لحادث أليم ووفاتهم المنية فأصبح الطفل بلا مأوى وأسرة أدى ذلك إلى وضع الطفل في دار رعاية وكثير من الوقائع الأخرى ليس بشرط أن يكون اتصال غير شرعي.
ولكن لا أنفي انه من ضمن الأسباب التي من الممكن أن تؤدي الي وضع الطفل في دار رعاية وهنا يأتي التساؤل؟! هل جينات الفساد موروثة كما يدعون! هذا ليس بالصحيح تماما فمن الناحية العامة من يقع في الزنا ليس بفاسد فقد يكون صالح ولكن أخطأ فالإنسان يخطأ ويصيب! من الناحية السيكولوجية فالسمات التي تورث سمات شخصية تكوينية للإنسان وليس انحرافية ويتداخل فيها ظروف الحمل والولادة للأم فمن الممكن أن يكون الطفل سريع الاستثارة الانفعالية لأن الأم كانت سريعة الاستثارة أثناء الحمل فأدي ذلك إلى أنه أثناء تكوين مخ الطفل إلى نشاط احد الجانبين من المخ فأصبح ذلك أو تناول الأم أدوية كثيرة أثناء الحمل فولد الطفل بطابع مزاجي يميل إلى الكأبة لكن اب وام تم الاتصال بينهم بشكل غير شرعي فأصبح الطفل هكذا!!! هذا ليس صحيحا واقعيا ونفسيا…..
ومنهم من يقول ان الطفل اليتيم يتخذ السلوك السئ عن قصد ليدافع عن نفسه ضد مجتمع يراه انه سوف يستغله نتاج عدم وجود أسرة له ولأفسر هذا القول بأنه يوجد به شئ من الصواب وهو احيانا الطفل يسئ سلوكه لأنه يرى أنه لم يفعل ذلك سيستغله مجتمعه ولكن نفسيا هذا مجرد حيلة دفاعية تكونت نتاج انه لم يرى عطفا وحنانا منك كمقدم رعاية لم يرى منك إلا الاستغلال والنبذ والرفض والتنمر والمعتقدات السيئة عنه فماذا تنتظر منه أن يفعل فلكل سلوك مسبب حتى ولو أنك ترى أنه مفتعل منه فهو قام بأفتعاله بناء على أسباب!!!!
وليكن التحليل النفسي لوجهة النظر التي تنفي سلوكهم عنها بأنها لم تكن متواجده في صغرهم فهي اخذتهم على ما هم عليه فهل يتغير احد الان وتكون وجهة النظر هذه يعتريها شئ من الصواب ولكن ليس مبررا! علم النفس الشخصية أصبح يفرق بين السمات والطباع فالسمات تتكون لدى الطفل منذ الصغر بناء على المهارات التي يتعلمها مع كل مهارة يتعلمها تتداخل العصبونات المخية وتتكاتف مع بعضها البعض لتشكل فيما بعد العادات السلوكية العامة التي تكمن فيما يسمى الطبع!!
وتتم هذه العملية خلال الخمس سنوات الأولى من حياة الطفل وفيما بعد يصبح من الصعب تغيير العادة التي تكونت ولكني أوضح أنه من الصعب ليس من المستحيل! فأذا كان من الصعب تعديل سلوكه في الكبر فمن الممكن أن نقوم بتقويم سلوكه وتوجيهها عن طريقة تنمية مهاراته واستثارة شغفه وتوضيح رؤيته للحياة فليس مبررا أن أقول أنا توليت منصبي الوظيفي في سن كان فيه الطفل في سن كبير ولا أستطيع أن أفعل له شيئا فأنك لو لم تستطيع تعديل سلوكه فقم بالتقويم فالتقويم لن يتوقف على مدار الزمان!!!!! وسأتناول وجهة النظر التي تقول اهتم كثيرا بالمأكل والملبس والتعليم ونظافة الدار فمأذا افعل أكثر من ذلك!
ولكني أحلل ذلك سيكولوجيا بأن هناك فرق كبير بين الرعاية والتربية فهم قد ذكروا رعاية الأطفال وليس تربيتهم فالطعام الجميل لا يعلم الطفل كيفية التعامل مع صعاب الحياة والملبس الجميل لا يساعده على اكتشاف ذاته ونظافة الدار لا تساعده على تحقيق هدفه وان كانت هذه الأشياء هامة جدا لرعاية اليتيم ولكنها ليس الأهم ليست الأشياء التي تجعله عضوا فعالا في المجتمع عضوا ينجز ويغرس ويؤثر! فدائما أرى نقص في التربية نقص في الأدوات الفعالة لأنشاء طفل سوى في المجتمع!
واخيرا نتناول وجهة النظر التي تقول فعلت أقصى ما بوسعي ولكن الأطفال في الدور لن تتغير! ويأتي تحليلي السيكولوجي ليقول كيف يتغير وانت ليس مؤمن بأنه سيتغير الطفل اليتيم طفل يشعر بكل من حوله داخليا اولا ثم خارجيا بسبب كثرة الأشخاص الذي تواردت عليهم فأصبحوا لديهم براعة من الشخص الحقيقي ذو المشاعر الحقيقية المؤمن بهم والذي يريد مساعدتهم ومن لا يؤمن بهم ومن يريد استغلالهم!!! ويأتي الطفل ليبدي وجهة نظره في جمله واحدة فقط هم السبب اني اكون على ذلك فلو أصبحوا غير ذلك لأصبحت انا غير ذلك وأفضل مما يتوقعون!!!!!!
وهنا يأتي دور السؤال من الجلاد ومن المنقذ ومن الضحية؟؟!! كثير ممن يقرأ هذا المقال يتوقع أنني في النهاية سوف اقول أن الطفل هو الضحية والجهاز الوظيفي الجلاد ولا يوجد منقذ ولكن في الحقيقة الطفل والجهاز الوظيفي يرتدون دور المنقذ والجلاد والضحية معا! فالطفل ضحية الظروف وضحية الجهاز الوظيفي والجهاز الوظيفي ضحية لظروفه الذي شكلته وشكلت تفكيره من قبل! الطفل والجهاز الوظيفي منقذين فالطفل منقذ لنفسه عن طريق تكيفه للظروف حتى لو حدث ذلك بشكل دفاعي سئ والجهاز الوظيفي منقذ لنفسه عن طريق فكره الذي دائما يقول له فعلت ما عليك ولكن العيب ليس فيك. ولكن دور الجلاد يشوبه نوعا من الغموض لأن يرتديه أشخاصا لا توجد في الصورة العامة الواضحة أمامنا
فمن الممكن أن تكمن في أسرة المشرفات التي جعلتهم يمرون بظروف صعبة جعلتهم يعملون في مثل هذا المكان الحيوي ليخرجون امراضهم النفسية على هؤلاء الأطفال ويشبعون رغبات لم يستطيعوا اشباعها في حياتهم ومع أسرهم كالسيطرة وحب التملك نتاج تسلط قد وقع عليهم ولكني لا اعمم دور الجلاد ولكن هذا نموذج نراه فعليا في معظم الأجهزة الوظيفية داخل دور الرعاية ولكن ليس الجميع
فهناك جهاز وظيفي لديه رسالة قائم عليها! يكمن الحل النهائي نفسيا في تفعيل دور التربية وتعلم تكنيكات التربية وأدواتها الفعالة ويكمن الحل أيضا في تقديم الخدمة النفسية ليس للطفل فقط ولكن للجهاز الوظيفي أيضا فمنهم من يرتدي دور الضحية حقا! والخدمة النفسية تقدم مبكرا لهم جميعا أفضل لأن في التأخير صعوبة وليس استحالة. الخدمة النفسية خدمة لكل انسان فكلنا ضحايا لضحايا فأذا كنت من ضمن الجهاز الوظيفي لدار رعاية أبدأ بنفسك كل ما نغرسه فينا سنجنيه لنا ولما حولنا من أطفال يستحقون الرحمة ويستحقون أن يحيوا حياة كريمة..