تواصل الشاعرة الهام عيسى في قصيدة “ترنيمة عشق” التغني بعشق حبيبها.
أيّ ترنيمة عشق تترنّم بها في قصيدتها؟
القراءة النقدية:”القصيدة بين الشوق والنشوة.”
لقد اختارت الشاعرة الهام عيسى عنوانا لقصيدتها”ترنيمة عشق” وهو مركب اضافي اضافت عشق لترنيمة..
والترنيمة في الموسيقى في معجم المعاني الجامع هي أنشودة او أغنية صغيرة خفيفة اللحن .
اما الترنيمة في الديانات فهي نشيد يُتغنى به في الكنائس المسيحية اثناء القدّاس وموضوعه الابتهال الى الله وحده وشكره على نعمه.
لقد اقترنت الترنيمة بالمعنى الديني كترنيمة داوود ولعل الشاعرة تتبرك بها في العشق.والعشق هو سيّد كل أسماء الحب.(1)
– يقول الجاحظ:”كل عشق يسمّى حبّا وليس كل حبّ يسمّى عشقا والمحبة جنس والعشق نوع منها.الا ترى ان كل محبة شوق وليس كل شوق محبّة”
– يقول ابن سينا:”العشق هو شيء كامن في النفوس يحركها ويُلهمها ..فهو أساس الحياة وهو دافع من الدوافع الكبرى التي تبعث فينا الحافزعلى ادراك ما نحب وفعل ما نحب ّ”
– يقول ثمامة بن الاشرس: العشق جليس مُمْتع وأليف مُؤنس..ملك الابدان وأرواحها والقلوب وخواطرها والعقول وآراءها قد أعطي عنان طاعتها وقوة تصرفها”
يقول قيس بن الملوّح:أتاني هواها قبل ان أعرف الهوى
فصادف قلبا خاليا فتمكّنا .
يقول ابن الفارض:
شربنا على ذكر الحبيب مدامة //سكرنا بها من قبل ان يخلق الكرم
ولعلّ الشوق من أنبل المشاعر المتبادلة في حال كان الحب صادقا بين الطرفين”
فعند شعورك بعاطفة وشوق للطرف الآخرعليك ان تعرف ان الطرف الآخر يبادلك نفس هذه المشاعر “(2)
هذا الشوق الذي يستظلّ بظل الغيمة ويرتوي منه محلقا بجناحيه في الفضاء حرية هذا الشوق الذي يقرع الاجراس أملا هذا الشوق الذي يمْخر عباب البحر تحدّيا بما للشوق من حرارة الرجاء..
هنا يقول ابن زيدون:فلو أستطيع طرت اليك شوقا//وكيف يطير مقصوص الجناح
فديتك,ان الشوق لي مذ هجرتني// مميت فهل لي من وصالك باعث؟
يقول ابن عبد ربه:
يطير اليك من شوق فؤادي//ولكن ليس تتركه الضلوع
يقول الشريف الرضي:وبي شوق اليك أعلّ قلبي//ومالي غير قلبك من طبيب
ان هذا الشوق قد أجّجه ضجيج الروح هذه الروح الثائرة على ما تعيشه من حرمان في بعد الحبيب وفراقه..
ان روح الحبيبة لا تريد الرجوع الى الوراءوهي لا تريد ان تعيش برودة يَأس الحنين الى الماضي الذي لن يعود .انها تريد ان تعيش حرارة رجاء الشوق حاضرا ومستقبلا هذا الشوق الذي يحمل أحلاما وردية وترنيمة عشق وأمطارا من الذكريات الجميلة.
ان الشوق يضيئ وحدة الحبيبة ويؤنسها فتنتشي به في الليل.تقول الشاعرة:
وحده الشوق يحمل معه أحلاما وردية
ترنيمة عشق وأمطار ذكريات,فوانيس
وحدتي.
ترنو الى نشوة الليل.
ترى اي نشوة تعيشها الحبيبة في الليل؟
لتعيش الحبيبة او الحبيب النشوة في الليل نرى الواحد منهما ينتشي برسائل شوق في المتخيل من ذلك (3):
-“في الليل لا اجد حلا لما يعتمل في صدري سوى ان اكتب لك رسائل وابثها كل
الشوق والحب المسيطر عليّ”.
– “حبّك يسكن في قلبي يرافقني في صحوي ويتجسّد لي في صورتك باحلامي”
– أخاطب النجوم ليلا وأخبرهاعن كل أشواقي وأرسل معها تحياتي وقبلاتي.
– “أغمض عيني مساء على الفراش وأترك صوتك ليقودني بحنوّ الى حلم جميل انت فيه معي”.
-” كأنّ النجوم تواسيني على غيابك المساء كأنها تذكرني بك بجمالها ورونقها وابتعادها…ابعث لك مع النجوم الكثير من الاشواق الفجئية في عبارة مساء الخير
– “هل القمر يستمدّ نوره منك أم انك القمر ذاته؟”
كل هذه الرسائل هي حديث الحبيبة مع النفس وهي مصدر نشوتها في الليل أثناء وحدتها.
و”النشوة هي قمة السعادة وهي حالة نفسية شخصية من الابتهاج الغامر المؤدي الى غياب العقل عن ادراك ما حوله وتسمى الحالة ايضا باسم الشطح او الوجد او الانتشاء…في الادبيات الاغريقية تشير النشوة( الاكستاسي) الى معنى”ان يطير العقل من الجسد”(4).
وقيل في نشوة الليل:
أشرقت الشمس وأحْرقت نشوة الليل// تبّا للنهار أنا لا أنير الا بالظلام.
انها نشوة لا تقدر بثمن ولا حدود لها..انها عبادة فتقول الشاعرة:
ترنو الى نشوة الليل
تنساب كالدرر
يُعانق طيفهاالمدى
تسجد في محراب الحب
تعانق قلوب المحبين
ان الشوق يحرّك هذه النشوة وهي بدورها تثير في الحبيبة استنهاض الماضي حيث كان الحبيبان يتقاسمان الجوع والعطش ولعله الجوع العاطفي والعطش الوجداني ويتشاركان أريج الورد في الحقول.ورائحته الفواحة.
ان الشاعرة قد دعمت هذا التشارك العاطفي والوجداني باستخدام أفعال مزيدة تفيد المشاركة(نتقاسم/ نتشارك).
ان تأجّج الشوق يضيء الافق لهما ومن صفات الافق انه رحب وواسع وممتدّ وهو رمز الأمل اللامحدود واللامشروط في الحب والعشق ..انه تحليق وبناء
وغرس لبراعم العشق…انه عشق غمر كل الارجاء في السماء وعلى الارض
انه العشق بلا ضفاف.تقول الشاعرة:
تستنهض الماضي كيف
كنا نتقاسم الجوع والعطش
نشعل ومواقد الشوق قناديل مساء
يشعّ النور منها يملأ الافق ضياء
نحلق في البراح عشقا
نبني قصرا فوق السحاب
نغرس من حروف الابجدية براعم عشقنا
وخلاصة القولان الشاعرة الهام عيسى في قصيدة “ترنيمة عشق” تغنّت بالشوق والحنين وتغنت بنشوة الليل مما أجّج شوقها فأنار الافق الرحب فغمرعشقها السماء والارض وبذلك ملأت ترنيمة عشقها الزمان(الماضي والحاضر والمستقبل) وغمرت المكان سماء وأرضا.
الخاتمة:
انها ترنيمة عشق ممتعة شوقا ونشوة وممتدّة لا حدود لها زمانا ومكانا ولعل الشاعرة تتوق في ترنيمة عشقها للحبيب الى ترنيمة داوود في عشق الله لأنه عشق لامتناهي ولا محدود.
أشدّ على أيدي المبدعة المتميزة وعلى قلمها المتمرّد في الحب.