شعر وحكاياتعام
عريس أمريكاني
حنان عبدالحليم
عوض الصابرين ..عريس امريكانى
مديرة مكتب رئيس الموارد البشرية، او شؤون العاملين فى الحكومة ، عكس كل ما يخطر على بال احد من صفات الموظفين ،لا كره ولا حسد وخدومة ، تبذل كل ما فى وسعها لمساعدة الاخرين و تقدر البنات المحترمة ، و تبادر لخدمتهن .
قد يتيادر للذهن انها سيدة (كوبارة) لكنها فى الحقيقة سيدة صعيدية من اسرة محترمة ،بدات بالعمل بدبلوم تجارة ثم اكملت دراستها ووصلت بها كفاءتها و حب الناس و دعاء الغلابة لمدير مكتب رئيس شؤون العاملين .
اول وجة يستقبلك ببشاشة و يحاول ان يساعدك وانت فى بداية حياتك العملية لن تنساه قطعا ، لذلك كل من يتم تعينه لابد ان يعود ليجلس فى مكتبها كمن شرب من ماء .
اعتاد رؤساء شؤون العاملين المتوالون ، ان يجدوا مكتبهم مليىء بالزوار بسببها وسلموا امرهم لله ..
حب الناس كنز و ثقة الناس كنز و القدرة على الخدمة دون انتظار مقابل ، منحة الهية ..
تزوجت بعد عناء ،الطيبون للطيبات ،رجل يحمل نفس صفات الطيبة و العطاء ولكنه هادىء الطباع ،لا يحمل طبعها الصعيدى الحامى .
اعتبرته ، هدية السماء لها لطيبة قلبه وحبه لاهلها واعتبره الاصدقاء هدية السماء لهم :
اولا: لانه سيتحمل حدة طبعها و حبها للنكد غير المبرر فى بعض الاوقات ،و تبرعها لمساعدة البشر دون سابق معرفة لوجه الله.
ثانيا: انهم ضمنوا انهم لن يحرموا من صديقتهم الجميلة و وجدول انه على الارجح سيشارك معها فى التبرع بمساعدة البشر ، التى نذرت نفسها له، من المحتمل ان يجعل منزلهما مقرا للعمل الخيرى و هو ما حدث بالفعل .
سماها فريق من صديقاتها ذوات الثقافة الاجنبية : Auntie
الخالة : بالانحليزية ، ثم تحول (انتى ) بعد ذلك الى اسم شبه رسمى.
(انتى) لها صديقات من جميع المستويات و تحاول ان توفق راسين فى الحلال ، كل طبقا لطبقته الاجتماعية ، و امكاناته المادية .
فى يوم من اللايام جاءتها فرصة عظيمة عريس يحمل الجنسية اللامريكية مقتدر ماليا ، فى اوائل الاربعين ، بضمان واحدة من اكثر معارفها احتراما .
فاختارت(انتى ) (اميرة) ، اكبر الصديقات سنا و اكثرهن مرحا ،ضمانا لنيل رضا العريس ، و لم تخف (انتى ) على الواسطة انها اختارت لها بنت ناس ، متدينة و فيها شيئ لله و دمها خفيف و مثقفة ، جميلة ، و…
وروجت للبضاعة جيدا ، و جعلت الواسطة تتحرق شوقا .
اتصلت( انتى) ب (اميرة) و قالتها:
*عوض الصابرين يا (اميرة) ، عريس امريكانى ، كامل من كله .
ضحكت (اميرة) فهى تعرف مبالغات (انتى) التى هى فى الواقع ،تصغر (اميرة) بعام ، و تجاهلت (انتى) رأى (اميرة ) التى لم تعد ترغب فى الزواج او على الاقل لا ترغب بهذه الطريقة .
* يا (انتى ) انا زهقت ده رقم الف و الجواز قضاء و قدر زى ضربة المعلم عفيفى ابو ركبة .
لم تركز (انتى) فى حرف واحد مما قالت ، ولا فى المعلم عفيفى ابو ركبة، لكن فى ان (اميرة ) تقايل العريس باى وسيلة .
* طيب اعملى صلاة استخارة
*يا( انتى) لازم يكون عندى النية الاول .
و اصرت (انتى) والحت حتى كادت (اميرة) تسقط مغشيا عليها ووافقت الفتاة ان تصلى استخارة .
لم تخفى(انتى ) الخبر عن السيدة الواسطة ،و بلغتها ان (اميرة ) بتصلى استخارة، بنت مؤمنة ماشاء الله لاتننقل من الشمش الى الظل الا اذا سألت الله .
وانبهرت السيدة ايما انبهار ، و اخبرت ام العريس ،ان العروسة تصلى استخارة ، وفى اتتظار الرد من الله ..ماشاء الله فيها شيىء لله.
لم تترك (انتى) (اميرة) حتى تخرج بنتيجة الاستخارة ولكنها طاردتها بالتليفونات ، و اكدت لها كم ان العريس مهتم و مستعجل و لقطة و عوض الصابرين .
قررت (اميرة ) ان تأخد قرارا من اثنين : اما الهجرة خارج البلاد او مقابلة العريس فى اقرب وقت ، حفاظا على سلامتها النفسية و العقلية .
وقررت ان تقابل العريس وهى تعلم ان مبالغات و الحاح (انتى) النابعة من حسن نية خالصة و طيبة قلب لا شك فيها لابد من وضع حد لها بمقابلة العريس.
وجاءت اولى المفاجاءات ،العريس الامريكانى يريد تحديد الموعد الساعة الثانية ظهرا فى فصل الصيف ، وكانت وجهة نظرة ان وقت الظهيرة فى مصر اقل ازدحاما من بعد العصر او المغرب .
ولم تفهم (اميرة ) ذلك ولم تلمسه طوال حياتها فى مصر ولكن (انتى) دافعت عن وجة نظر العريس ،بالروح بالدم ،فكل ما يقول عوض الصابرين لابد ان يكون صوابا .
واستسلمت (اميرة) ولم تتفائل :
* انا قلبى مش مطمن وشكله عريس لاسع ، على كل حال ح اخدك معايا ،بالمرة تتفسحى معايا فى القيالة .
ردت (انتى) بثقة :
*انا قلبى منشرح يا (اميرة) ،دى الست الواسطة بتمدح فى والدته و بتقول انهم ناس طيبن و عندهم املاك ، انتى بنت حلال ده عوض الصابرين .
ضحكت (اميرة) وتساءلت فى نفسها :
لماذا لا ياتى عوض الصابرين الا فى الصيف فى عز الحر والقيالة والساعة 2 ظهرا ..
وجاء اليوم الموعود ،واختار العريس فندق 5 نجوم للقاء و طارت (انتى) من الفرح وعلقت:
*كريم وابن اصول .عوض الصابرين
وتسائلت (اميرة) :
*ح نعرفه ازاى ؟؟ و هو حتى ما اخدش تليفون حد فينا ، ح يحط وردة حمرا فى عروة الجاكيته .؟؟؟
اجابت (انتى) بمنتهى الجدية :
*لا ح يلبس قميص ازرق مقلم بابيض، و بنطلون جينز ، و هو طويل ورفيع وشعره رمادى.
لم تفهم (اميرة) لماذا كل هذه الوصفات، ما اسهل ان ياخذ رقم تليفون احداهما ..وقالت فى نفسها (اكشن امريكانى) ربنا يستر.
و اصطحبت (اميرة) (انتى ) معها فى السيارة ، و قبل ان تبدا الرحلة ، بينما تضع يدها على عجلة القيادة ، لا حظت اختفاء فص خاتمها الازرق ، ووجدت الخاتم عارى فى اصبعها بدون فص ، و اخذت تتلفت تلقائيا باخثة عن الفص على الارض او على مقعدها ، و انتفضت (انتى) و اخذت فى البحث عن الفص بهستريا معتبرة فقد الفص قبل اللقاء ، فأل سيئ ، لم تعتبر (اميرة) الفص له اى علاقة بصلاحية العريس فهى اعتبرته منتهى الصلاحية بمجرد تحديد موعد فى وقت غريب ، و انه اعطى اوصافه وملا بسه ولم يطلب رقم المحمول .
المهم تم العثور على الفص ،و ارتاخت اعصاب (انتى ) نسبيا وصلت(اميرة) و ا(انتى) فى الموعد المحدد بالضبط ، ووحدت رجلا يجلس علىمائدة بمفرده يحمل المواصفات وتوجهت اليه (اميرة) مصافحة دون اى ان تقول كلمة ، و صافحها ، وذكر هو اسم السيدة الواسطة على سبيل التأكيد.
عرف نفسه بالاسم وعرفت (اميرة) نفسها ، ثم نظر الى(انتى )نظرة من اسفل الى اعلى ، كمن يبريد ان يسال عن صفتها ، كانت النظرة سخيفة لدرجة اثارت حفيظة (اميرة) ، لكنها عرفتها وقالت : انها صديقة عزيزة ..و كرر عوض الصابرين ..
*صديقة اهلا وسهلا
كان الرجل يحمل ملامح عادية ،لا يمكن وصفها بالجمال او القبح ، ولكن (اميرة) التى تهتم بالعينين وتعتبرهما نافذة النفس ، ودققت النظر فى عينيه لتقرأ تعبير ما ، وجدت عينين لا تحملان تعبيرا او احساسا ، انهما عينا رجل ميت .
فقررت ان تقضى بعض الوقت مع “المرحوم” ،على ان تجعل الجلسة مقبولة حتى لا تتعرض للوم (انتى) .
وطلبا العصير ، ثم بدات (اميرة) تساله عن الولاية التى عاش فيها فى امريكا ، و نوع عمله هناك ، و نوع عمله هنا ،ولماذا قرر للعودة الى مصر ؟؟
اجاب على كل الاسئلة وهو شارد بشكل واضح ، و لم يبادل (اميرة ) سؤال بسؤال ..ثم استأذن فى المغادرة لدقيقة .
فهمت (اميرة) ان عدم تركيزة و غرابة اطوارة ربما ترجع لمشاكل فى الحهاز الهضمى، وربما هو فى حاجة لدخول دورة المياة ، و هو امر بشرى و مشروع .وقررت ان تشرب العصير حتى ينتهى العريس من قضاء حاجته، ولكن (انتى) ظهر عليها التوتر ، ولم تشرب العصير و ظلت صامته.
عاد العريس بسلامة الله ، و استقبلته (اميرة) بابتسامة مشجعة تقصد بها .
*ولا يهمك ..صيف و موسم اسهال ..يعنى خليك شجاع ، مش تتاثر و تعيط من الاحراج من شوية اسهال .
و لكن عوض الصابرين رد على ابتسامتها المشجعة بمزيد من الارتباك ، ففهمت (اميرة) انه قد يكون فى حاجة لان يستأذن مرة اخرى ،بيدو انها نزلة معوية .
ولكنه فاجأها هذه المرة قائلا:
*ممكن نمشى دلوقت ؟؟
ردت (اميرة) بابتسامة اكثر اتساعا من الاولى :
*قوى قوى
وبدا فى الشرح بخليط من اللغتين العربية و الانجليزية ما مفاده ، انه فوجىء بان مؤشر الحرارة فى السيارة وصل الى الحد الاقصى ، و انه تركها فى الشارع ، و طلب التوكيل لبيعث بسيارة اخرى لجرها ..و انها وصلت ، وعليه الذهاب لانهم فى انتظاره
و سال (اميرة) ببرود لا مثيل له ان توصله الى حيث سيارته و ردت قائلة :
* قوى قوى
وفى الطريق كانت (اميرة) ترقب (انتى) وتفتح مع عوض الصابرين ، موضوعات طريفة حتى تبرر ضحكها الذى جعل عينيها تدمعان ، و من ان لاخر تربت على ساق (انتى) التى ترد عليها بحركة هسيرية من كتفيها المتشنحتين ، تزيد من نوبة ضحك (اميرة) .
و اخيرا غادر السيارة بسلام ، و اطلقت (اميرة ) لضحكها العنان و هى تسال (انتى) :
*ايه رأيك بقى ؟؟
رفعت (انتى) اصبعى السبابة لاعلى قائلة:
*شهدت لك ..انا قلت لهم فيها شيئ لله.
*الحقيقة الموضوع كان واضح من اول طريقة تحديد الميعاد
ده غير ان عندى نظرية فى الحياة ، ان اى الانسان لازم يتهزأ من وقت لاخر وانا بقالى خمس سنين ما اتهزاتش ..
ولم تترك (انتى) (اميرة) تكمل النكتة ، التقطت المحمول وطلبت السيدة المسكينة التى توسطت فى الموضوع، وحكت لها كل التفاصيل من فص الخاتم الذى سقط، للعصير الذى لم تكمله ، و انه كان صامتا طول الوقت و (اميرة) بتساله (زى وكيل النيابة) و اخر المطاف ، طلب المغادرة، واعادت عليها مرة اخرى : انهم لم يكملوا العصير و الاسوا انه طلب توصيله حيث تعطلت سيارته ، كيف ان (اميرة)اخطات لانها وافقت وانها كان يجب ان ترفض و ترد عليه : ما تاخد تاكسى
،كم هو عديم الذوق يستحق الاعدام على ما فعل …
اصطحبتها (اميرة) لفندق خمس نجوم ، نظرا لتأثرها الشديد بسبب العصير ، وطلبت لها نفس نوع العصير و نوع الساندوتشات التى تفضلها و اكلا سويا وشربا سويا، ولم تكف التيلفونات عن الرنين ، و لم تتوقف (انتى) عن الكلام مع السيدةا المسكينة الواسطة التى كلمت ام العريس ثم ردت ثم عادت، واتصلت مرة اخرى لتطلب من (اميرة ) ان تعطى عوض الصابرين فرصة اخرى لانه ..ياللمفاجاة عندما عاد بسلامة الله الى ارض المنزل اعلن انه موافق ان يراها مرة اخرى لتقييم الموقف ، وانها المرة الاولى منذ ان عاد الى الوطن ، التى يوافق ان يجلس فيها مع عروسة مرة ثانية .
و استحلفت ام العريس (انتى) بكل غالى لديها ، ان تؤثر على (اميرة) لعمل صلاة استخارة مرة ثانية ، وتحدد موعد اخر .
ووافقت (انتى) ورفضت(اميرة) قائلة :
*انتى ناسية اننا ماكملناش العصير ؟؟
الا قولى لى يا ( انتى) هو ازاى واحد وصل للسن ده ومش متربى ؟؟